ماذا لو انتخبتْ فرنسا رئيساً للجمهورية ينتمي إلى تيار "الخُضر"، أي المدافعين عن البيئة والطبيعة والمناخ، وهو ما لم يحصل في سابق العهود، لا في فرنسا ولا في غيرها من الدول الأوروبية؟
تستند رواية "الانهيار" إلى مثل هذا الاحتمال غير المسبوق، بل تفيد القارئ، منذ مطلعها، إلى أنه حصلَ في فرنسا، ولكن في زمن قادم، غير محدد، وبات بالتالي واقعاً مؤسساتياً وسياسياً، يصيب الحكم مثل الأفراد، والسياسات مثل سلوكات البشر.
تبدأ الرواية في منتصف الولاية الرئاسية الخماسية، بعد انقضاء سنتَين وعدد من الشهور منها، في لحظة بداية التأزم بين "متبقيات" العهد الفرنسي السابق و"مأمولات" العهد السياسي الناشئ. وهي لحظة متوترة، تحمل مقادير من التأزم، ومن لزوم اتخاذ القرارات : هل يقوى الرئيس على التقدم أكثر في تنفيذ مشروعه الرئاسي، وعلى إنجاز التغييرات الجذرية التي وعدَ بها أم أنه سيضطر إلى التخفيف من تقدمه، ومن سرعة "ثورته" الموعودة ؟
هذه اللحظة المتأزمة تدور في ما يقرب الشهرَين، في تتابع من الأيام، وتشهد وقائع متنوعة بين العنف والرقة والوعد والصدمة. تنقلنا الرواية إلى عالم قادة السياسة والاقتصاد، سواء في الحكم أو في المعارضة، بصورة مقربة للغاية، ما يجعل القارئ يتابع مجريات حياة رئيس الجمهورية، في سابقها، وفي جاري عمله الرئاسي، فكيف إذا وقعَ الرئيس، في هذه الأيام المعدودة، في علاقة جنسية مع متدربة شابة عملتْ لبعض الوقت في القصر الرئاسي ؟ ألن تكون هذه العلاقة، السرية بالطبع، نقطة ضعف في قدرته على إدارة سياساته، وعلى نجاحاتها ؟
هذا ما تنقلنا الرواية إليه، أي إلى عوالم ما يزيد على عشرين "شخصية"، ومنها حياة رئيس مجلس إدارة إحدى كبرى الشركات الصناعية الفرنسية، الذي يَفقد، في حادثة عنف، غير بعيدة عن عالم الرئيس ونشاط كبيرة مساعدِيه، زوجتًه وابنهما الرضيع. أستبقى حياته كما كانت، هو الذي كان يفضل البقاء في عالم العتمة الإعلامية للانصراف وحسب إلى تنمية موارد الشركة أم أنه سيجد نفسه مكرهاً على خوض الصراع المكشوف مع رئيس الجمهورية ومع سياساته ؟ ألا يكون التعرض لحياة هذا الصناعي تعرضًا وفضحاً لما تقوم به شركته من اعتداءات متواصلة على الطبيعة ومواردها ؟
هذا ما يصيب غير "شخصية" في الرواية، بين السياسيين وغيرهم، إذ يجدون أنفسهم، من رئيس المجلس الدستوري إلى طالبة في شعبة العلوم السياسية، مكرهِين على الاختيار في لحظة التأزم هذه : أسيَقبلون بـ"تسريع" السياسات، التي تقوم على الحد من "حريات" الناس في نوع الأكل، في وسائل النقل، في الإنجاب وغيرها أم أنهم سيعارضونها ؟ هل سيَقبل مناصرو الرئيس، من الساسة إلى الجمهور، من الوزراء والنواب،