لو لم تُعمّر إيتيل عدنان ما يقرب من القرن، أكانت حَظيتْ بما حَظيتْ به في السنوات العشر الأخيرة من تقدير دولي؟
هذا السؤال ضروري، مفيد، لأنه يقع في صميم لعبة الفن، في فرنسا وخارجها.
فما يحصل لها من معارض استعادية، ابتداء من معرض متحف الفن العربي قي الدوحة، وصولا إلى معرضها الحالي في مركز بوبور-فرع ميتز بفرنسا، وإلى جانب رائد التجريد فاسيلي كاندينسكي، لم يحصل لأي فنان لبناني أو عربي. وهو ما يتحقق منه المتابع كذلك في عالي أرقام مبيعات اعمالها في المزادات العالمية...
هذه حالٌ جديرةٌ بالمتابعة والرصد والدرس، إذ إن في مسيرة عدنان، وما آلت إليه، ما يبعث على الدهشة، الحلوة في حسابي.
فهي صحفية وكاتبة، بل شاعرة، أكثر مما هي فنانة. فقد عُرفت، في بداياتها، بالشعر بالانكليزية (وتُرجمت في مجلات "شعر"، و"مواقف"، و"الكرمل")، ثم بالفرنسية. مثلما اشتهرت بعملها الروائي بالفرنسية، "الست ماري روز" في العام 1977، وكانت من بواكير الروايات عن الحرب اللبنانية. كما كتبتْ سينايوهات لأفلام وثائقية (ترجمتُ بعضها) مع المخرجة الراحلة جوسلين صعب.
اما في نطاق الفن التشكيلي، بين رسوم ولوحات زيتية ودفاتر، فقد كانت ذات حضور أكيد، ولكن من دون أن تُبشر بداياتها بما وصلتْ إليه بعد عقود.
أذكر أنني، عندما خصصتُ لها دراسة واسعة عن دفاترها الحروفية، ونشرتُها في مجلة "الدوحة"، خابرَني الطيب صالح (المشرف مع رجاء النقاش على المجلة)، وسألني عنها، مرحبا بتجربتها، قبل أن يضع دراستي في غلاف المجلة الشهرية، في العام 1984...
إذا كان عالم الفن تأخر في اكتشاف تجربتها اللافتة، فإن عدنان لم تنقطع عن المثابرة بصحبة الحلم ومجموعة من الخيارات والفناعات، بما فيها النسوية. كيف لا، وهي تَشتهر بأعمالها التي تجمع بين الخط والرسم، فيما تراجعتْ هذه الموجة منذ عقود وعقود.
نجحتْ عدنان في ما اشتغلتْ عليه، من دون أن تساير أو تتنازل عما رسمتْه لفنها، فيما كان صُنّاع التكريس الفني يتوافدون إليها.
مع ذلك تبقى سيرة إيتيل عدنان ناقصة، تنتظر أكثر من كتاب عنها من دون شك.
ألي، يا صديقة العمر، أن أكتب، اليوم، في وداعكِ، عن فرحي بما كتبتِ ورسمتِ في كتاب الفن والأدب؟
مثلُك، لا يصلح فيه الوداع، بل الشراكة الدائمة في الدهشة والمتعة والتجدد.
(جريدة "نداء الوطن"، بيروت، 16-11-2021).