"يتوقف هذا الكتاب لدرس : "الأدب الشعبي" بالعربية، أو الفولكلور وغيرها من التسميات السارية، ولا سيما : الحكاية، وسِيَر البطولة، و"ألف ليلة وليلة". هذه الوقفة مزدوجة تَدرس تكوين هذه المواد، وتتعرف إلى المتوافر منها في أحواله المختلفة، كما تَدرس بناءها اللغوي والتأليفي. ولقد عاد الكتاب، في مدونته، إلى مجاميع واسعة من المخطوطات والمطبوعات "الشعبية"، ومن الكتب والدراسات التي تناولتْها بغير لغة، فضلاً عن مناهج ومقاربات اعتنت بدرس هذا الأدب.

هذا الدرس عنى التحققَ، إذًا، من تاريخية ما "وصلَ" من هذه المواد، وهو ما لا يجده القارئ بالضرورة في ما هو متوافر منها، بالعربية كما بلغات أجنبية : كما لو أن سِيَر عنترة المطبوعة، على سبيل المثال، أو غيرها، "وصلتْ" إلى الذاكرة والمكتبة والقارئ من الحقبة الجاهلية... مباشرة، وفي مخطوطات موثوقة ! كما عنى الدرسُ أيضًا التعرف إلى بناء هذه الإنتاجات في لغتها وأنماط تأليفها، فلا يَكتفي الدرسُ بنسبتها إلى الأساطير، والألسنِ، وحافظةِ الشعوب، وإنما يتنبه إلى كونها تنبني وفق سبلٍ حكائية، أو قصصية.

يبلور الكتابُ عدةً نظرية، مفهومية وإجرائية، مرتبطةً بمنهج السرديات الحديث، لدرس هذا الأدب المغمور، ومنها : "الأصل"، و"النسخة"، و"الصيغة"، و"التحيين"، و"التملُّك" وغيرها. هكذا يَعمل الكتاب، بأقسامه وفصوله، على وضع هذه الإنتاجات في تاريخ الجماعات، ما عنى السؤالَ عمّا أصاب هذا القص القديم في التداول، وعن علاقاته مع أحكام الفقه والأدب : ما جرى بين عالَم القصَّاصِين والوعَّاظ والمُذكِّرِين، لا سيما في خطاب الفقهاء والأدباء، وبين عالَم الرواة والحكواتيين في أوساط العامة ؟ هل كان في الإمكان ظهور قصٍّ خارج الخبر الديني المأذون ؟

يَستكمل الكاتب شربل داغر (لبنان)، في كتابه هذا، درسَ السرد العربي، متوقفًا عند مدونته العامية والقديمة، ويَخلص منه إلى تناول الأسباب التي حالت دون بروز الرواية تحديدًا قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر".

(كلمة الغلاف، المركز الثقافي للكتاب للنشر والتوزيع، الدار البيضاء-بيروت، 463 صفحة).