لا يسع الناظر إلى تاريخ الشعر العربي غير أن يقر بأن القرن العشرين عرفَ ما لم يَعرفه غيره من القرون السابقة من تشكلات، سواء في أبنيته، أو في تعبيراته، أو في العلاقات مع "خارجه" الإحالي أو الثقافي أو الجمالي. ولقد بات من الممكن، للناظر في هذا التاريخ، التحديق والتفقد والفحص بما يفيد في استبيان شعريته بالتالي. ولعل في عملية الاستبيان هذه ما يُخفف من وحشة الشعر المتعاظمة، أينما كان، ما دامت العملية تُشير وتُحدِّد أن عزلته هذه لا تُخفي دبيبه الحيوي، الوجودي كما الإنساني، في قلب العالَم.
قد يكون الوقوف عند شعرية هذا الشعر إيذاناً، بل كشفاً عمَّا أنجزَه شعرُ القرن العشرين في كيان القصيدة العربية، منذ عهدها الأبعد في تاريخ شبه الجزيرة العربية. فلو عاد الدارس إلى قديم الشعر بالعربية، سيجد عند المسعودي أبيات شعر لآدم نفسه، ولغيره من أمراء الزمان والقول قبل امرئ القيس، الجدِّ المعتبَر لعربية الشعر. إلا أن هذا العمق الزمني-الشعري لا يُخفي – على الرغم من بنائه الأسطوري – ظهورَ نقوش يمنية قديمة تُشير، في تشكُّلها البنائي، إلى سمتَين على الأقل : توزع البيت الشعري في شطرَين، من جهة، وإلى انتهاء الشطر الثاني بما يشبه القافية نفسها، من جهة ثانية.
إلا أن الدارس لا يحتاج إلى مِثل هذا التفقد لكي يتأكد من أقدمية الشعر بالعربية في ثقافات العالم، إذ يكاد أن يكون هذا الشعر هو الأقدم في لغة حية في عالم اليوم، بما يمتد منذ ثلاثة وعشرين قرناً على الأقل.
لعل في هذا العمق المتقادم ما يُفسِّر، لا المخزون الغني وحسب، وإنما الطاقة والأفق اللذين تَنعم بهما القصيدة، من قرن إلى آخر، ومن جيل إلى آخر، عند شاعرات وشعراء ممن تَقودهم نجمةُ الشعر فيما هي مرايا الثقافة التي يغتذون منها، ويَسمون إليها : لا تبلغ القصيدة بالعربية ما بلغته القصيدة بالفرنسية، أو الإنكليزية، أو الإسبانية وغيرها، من تأثيرات في غير شعر في ثقافات العالم، لكنها (أي القصيدة بالعربية) حشدتْ، على مرِّ العصور، ولا تزال تَستنفر دفعات كبيرة من خيرة مبدعِيها، وتستولد رغبات متمادية في توليدها وتجددها.
مع ذلك، لا يَختلف اثنان من الدارسِين في كون القصيدة بالعربية في القرن العشرين قد شهدتْ ما لم تَشهده في تاريخها العريق. ولا يُخفف من جدوى هذا الكلام، أو الحُكم، كون البعض (من الدارسِين، ومن متذوقي هذه القصيدة) يَنظرون إلى هذه القصيدة، بين جاهليتها وعباسيتها، على أنها بلغتْ ذروة تعاليها الفني والجمالي. هذا لا يستدعي استعادة هذا التاريخ في مساره، وأبنيته، ومكانته في أعين الدارسِين والمتذوقِين، ما دام كيان هذه القصيدة قد عرفَ، في القرن العشرين، تغيرات حاسمة لم يشهدها في قرونه المديدة السابقة. وقد يكون حاصلُ هذه التغيرات الأول، هو أن الشعر العربي لم يعد يعرف نمطاً لهذه القصيدة، واحداً ومتنوعاً، وإنما عدة أنماط يُجْملُها الدرسُ الشعري في ثلاثة : القصيدة العمودية، والقصيدة التفعيلية، والقصيدة بالنثر.
إذا كان الشعر السابق عرف أجناساً وأغراضاً للقصيدة (مع : المدح، والهجاء، والغزل وغيرها)، بل عرف، في قصيدة المديح (العباسية خصوصاً)، تمثلاً عالياً لهذه الأغراض، فإن ما حصلَ للقصيدة ذات البناء العروضي في القرن العشرين قد حادَ عن هذا، مع خليل مطران ومعروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري وسعيد عقل وغيرهم، إذ جعل هؤلاء من العلاقة مع الزمن (لا مع تقاليد البلاط والمجالس)، ومن تعبيريةٍ ناشئة في هذا الزمن المختلف، ماثلةً في تجليات شعرهم. لهذا فإن بعض الشعر العمودي في القرن العشرين مختلف، ومتباين، بين بنائه وتعبيره، عن سابقه، ما يحتاج إلى فحص دراسي مزيد : يكفي، لهذا الغرض، الوقوف عند قصيدة "المساء" لخليل مطران ، للاستدلال بها على أنها تَفْتَتِح (منذ العام 1902، تاريخ كتابتها) عهداً جديداً للشعرية العربية، وهو عهدُ تكفلِ الشاعر المفرَد والمنفرِد فيه بمجموع التعبير، بمجموع الكون، على أن المتكلم في القصيدة هو المنشئ والمتحادِث مع نفسه تحت نظر الآخر، أي القارئ، لا المستمِع الجالس في بلاط، أو مجلس، أو أمسية.
هذا ما يَتأكد، ويَنجلي، بصورة أوفى وأقوى، في الشعر التفعيلي، حيث "سقطت" الأجناس كما الأغراض القديمة منه تماماً لصالح تجليات تعبيرية تحتاج إلى وصف واستبيان ودرس، مثلما يتحقق منها الدارس منذ "أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب في العام 1954. ففي هذه القصيدة، "أنا" المتكلم تتذكر وتستعيد (بين التذكر الطفولي والأمومي، والتحقق من الغربة على الرغم من القربى بين مدينتَي الكويت والبصرة)، وتصرخ كذلك، وتأملُ للعراق "بغدٍ جديد"، ما يخلط صوت المتكلم بين نشيج ومناداة، وما يجعله أقرب إلى تعدد أصوات في تعبيريةٍ تجعل من القصيدة أشبه ب "خشبة" تجمع المنفرد مع المجموع الاجتماعي و"الوطني".
هذا ما أخرج هذه القصيدة من رتابتها الوزنية، ومن تواليها النحوي الجامد، صوب مرونة بنائية باتت تقترب من "المَوْسقة" في تشكلها الوزني، ومن الجملة القصيرة أو المتقطعة أو الموصولة في انبناءات مبتكرة، ومن تعبيريةٍ تَستجمع، في مصهر القصيدة، أحوال الذات في الوجود المحيط، القريب والممتد.
إذا كانت القصيدة التفعيلية قد تشكلتْ، في تجاربها الأولى، في العقود الأولى من القرن العشرين، فإن هذا التكوُّن أتى متساوقاً مع ما أحدثَه "الشعر العصري" منذ منتصف القرن التاسع عشر (مع خليل الخوري، ورزق الله حسون، وفرنسيس مراش وغيرهم)، وهو الشعر الذي جرى تغييبُه بعد وقت، وأدرجُوه في وصفِ "الاكتشافات العلمية"، أو في النزعة "الإحيائية". وكان هذا الفهم وصفياً، وتقنياً، ولم يتنبه إلى كون هذا الشعر قد خرج من احتكام القصيدة العربية إلى مرجعيتها المتقادمة، وأضاف إليها أفقاً مستجداً يتمثل في الخروج من البلاط إلى الشاغل الإنساني والاجتماعي؛ وقد يجد هذا الخروج، في "نبرة" جبران خليل جبران، الصوتَ الحديث المتشكل، بين الرسوخ والهجرة في آن.
لا يكفي، في هذا، الحديث عن "رومنسية" متشكلة، مع الشابي التونسي أو القباج المغربي وغيرهما، إذ يَقصر هذه التشكلات على ما هو "مدرسي"، وتقني، ليس إلا، فيما يَحجب، أو يُنكِر، كون هذه القصيدة قد أبدلتْ موقع الشاعر من القصيدة، والمواقف، والمذاهب، في ما يَقرب من انبناء جديد للصوت، والخطوة، والأفق : هذا ما أجملتُه (في أحد كتبي) في خروج القصيدة من نظام "التمامية الواحدية"، أي من الاحتكام إلى نظامٍ لا يرى إلى الشعر إلا في صورة واحدة، تمامية، أي ناجزة وفق نظام موضوع، سابق، فيما هو يعني تقيد القصيدة، لا بمثال، بل بمقتضيات بات يُوجبها النظام الثقافي والمتعالي في ضروراته الاجتماعية.
هذا الخروج الأكيد، وإن البطيء، من هذه الواحدية التمامية، لم يُقرّْ به الشاعر المتجدد عباس محمود العقاد (على ما هو معروف)، ولا غيره، ممن بقوا حريصِين على إبقاء القديم على قدمه، ولكن مع مقادير من التنويعات في النبرة والنظرة. هذا ما رسمَ مشهداً حملَ الاختلاف حول القصيدة عند مَن كان لهم أن يتشاركوا في التجديد. هكذا هالَ أكثر من شاعر مجدِّد (مثل نازك الملائكة وغيرها) بزوغ "القصيدة بالنثر"، متناسِين أو غافلِين عن وجود قصيدة سابقة عليها ("القصيدة المنثورة")، التي أخذتْ بالتجديد الشعري صوب مناطق غير معهودة، إذا جاز القول. واللافت والظريف في هذا الجدل الناشئ حينها (والمستمر، في بعضه، حتى أيامنا هذه)، هو أنه اكتفى بالعروض، ببحوره (بين صافية ومختلطة)، وبتفعيلاته، معياراً وحيداً لشعرية القصيدة ، في مسعى كان أقرب إلى "تقعيدٍ" جديد، مفروضٍ على الشعراء، لا مثلما فعل الفراهيدي عندما استخرجَ الأوزان والدوائر مما هو حاصلٌ ومتحققٌ في الشعر نفسه. وما فاتَ هولاء الشعراء والنقاد (الذين وقفوا في مواجهة هذا المدِّ التجديدي، وربما المفاجِئ لبعضهم)، هو أن الشعر – حتى في بلاغةِ قُضاته القدامى – لم يَقتصر على العروض وحده، وإنما اشتمل على مقومات بنائية وجمالية، بين المعنى والنحو والتخييل وغيرها. وهو ما أجريتُه بنفسي (في أحد كتبي المتأخرة) عن "شرعية" هذه القصيدة، إذ أخضعتُ درس هذه القصيدة الناشئة والمتأخرة، وقَلَّبْتُها على معايير الشعرية القديمة، وخلصتُ من ذلك إلى التالي : أفادت المعاينة في مقاربة القصيدة بالنثر، فأظهرتْ بنيتُها المفتوحة أنها قابلة لتوليدات غير مسبوقة بين النثر والشعر. هكذا أمكن التحقق من أن هذه القصيدة انتظمتْ، في كل مستوى (بين الهيئة الطباعية، والنحو، والإيقاع، والمعنى)، في تشكلات متشابهة ومتبدلة، في آن، ما جعل الخلوص إلى قواعد بناءٍ لها عمليةً مستعصية للغاية. وإذا كان مستوى الإيقاع هو الأشدُّ حصرًا وضبطًا، في تقشفه وقيامه وتعطله في القصيدة الواحدة، فإن درس المستويات الأخرى غنيٌّ ومتسعٌ بقدر ما هو ملتبسٌ ومتحولٌ في الوقت عينه. فالقصيدة بالنثر تلتقي بقواعد الشعر التقليدية التقاءاتٍ متباينة : تتباعد تماماً حتى القطيعة في مستوى الوزن، فيما تبدو أكثر غنى وتنوعاً في المستويات الأخرى. فلو اتبعَ الدرسُ معاينة القصيدة بالنثر، في عدَّتها البلاغية، وفي أشكال بنائها النحوي، وفي تعدد "موضوعاتها"، ومقامات القول فيها، لوجدَها أكثر اتساعاً وتعدّداً وتنوّعاً مِمّا هي عليه أبنية القصيدة العروضية كما التفعيلية. بل يمكن القول إن القصيدة بالنثر أبدلتْ البلاغة القديمة، وجعلتْ من الخيال، ومن الصورة خصوصاً، شكلاً يقترب بالقصيدة - لا بوصفها حلية بلاغية - من البناء الجمالي الخالص.
ما لا نتحقق منه كفاية هو أن هذه القصيدة فصلتْ تماماً بين الشعر والنظم، وبين الشعر والقصيدة، ما يُحسب لها؛ وبات هذا قيمةً مزيدة للشعر، وليس تعدياً عليه. فما كان يحددُه "العمود" والخطاب البلاغي والنقدي القديم للشعر والقصيدة والشعرية لم يعد مستساغاً، ولا مقبولًا من شعراء هذه القصيدة وناقدِيها، وأفقد بالتالي الهالة القديمة، ومشروعيتها بالتالي : لم تعد العلامات القديمة "شغَّالة" في مجموعها، حتى وإن لم تحظَ بعدُ القصيدة بالنثر بدرسٍ مستوفٍ لها. ففي نصوصها ما أبطلَ الشعرية المعهودة، وإن لم يُتحْ بعد لدارسِيها ومنظرِيها استخلاص هذه الشعرية المستجدة.
إلا أنه وجبتْ الملاحظة التالية : ما يعايشه الخطاب الثقافي والنقدي حالياً لا يعدو كونه تعبيراً متراجعاً عمّا كان عليه "المدُّ التصاعدي" (إذا جاز التشبيه)، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، والمتعيِّن في تجديدات الشعر والقصيدة. وإذا كان راهن الخطاب يتقبل غالب التجديدات المذكورة، فإنه يتقبلها بالمعنى "التقني" للكلمة، إذ نراه "يُجفِّف" (إذا جاز التشبيه) قِيمَ الحداثة والتقدم والجمالية التي أحاطت بهذه التجديدات وبَنَتْها. فالتقليدية تتمدد أكثر فأكثر، ولا يخفف من ذلك بزوغ نصوص "هامشية" أو "جذرية" أو غيرها (مثل الانفتاح على "الهايكو" وغيره عند الشعراء الشبان خصوصاً)... ولعل ذيوعَ وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرَ النصوص المخالفة فيها، خففَ من اتساع التقليدية (أو ربما أخفاها لبعضهم)، واستبدلَ دورةً بأخرى، ما جعل معالم الاستدلال على "حياة" القصيدة والشعر غير محددة وأكيدة.
قد تكون هذه التحققات بعيدةً، أو غير معنية بما هو عليه حالُ القصيدة في "خارجها"، في تلقيها. وقد يكون بزوغ صوت المرأة في هذا الشعر المتأخر خيرَ دليل على انعتاق القصيدة من قديمها، الشعري كما الاجتماعي. فما بقيَ من قصائد معدودة للخنساء وسلَّامة الأندلسية، ومن أبيات لهذه أو تلك من جوارٍ أو من زوجات أصحاب المكانات، لا يُخفي الضمور القديم لهذا الصوت، أو احتجابَه، ما كان لا يتيحه بناءُ تقاليد الخاصَّة، ما دامت المرأة – أياً كان نسبها الديني أو العائلي – ملحقةً بالرجل. لهذا فإن بزوغ أصوات، منذ نهايات القرن التاسع عشر، بين عائشة التيمورية ووردة اليازجي ومريانا مراش وغيرهن، بقيَ ضمن نطاق محروس بفضل سلطة الأب الأدبية، قبل أن يتأكد ظهور مي زيادة، وثريا ملحس، وفدوى طوقان، وإدفيك جريديني وغيرهن. والجديد والأكيد في هذا الظهور – أخيراً – هو أنه حملَ، في شعرهن، صوت السيرة والنظرة المختلفة وأوجاعَ مثل لذاذاتِ الجسد المكتوم (في غير معنى).
لقد عنى هذا مع غيره خروجَ القصيدة إلى صلب مسائل المجتمع، ما لم تكن تكفيه، في الشعر القديم، خروجات أبي نواس إلى الحانة، أو المتنبي إلى خلوة النفس مع شقاء الشرط الإنساني، أو انصراف ابن الرومي إلى مناظر لاهية أو ظريفة، أو تمثلات المعري في خياله، أو التعالي الصوفي بما يشتمل عليه من "أنا" متوقدة وغيرها.
خروجٌ متعددٌ جعلَ من القصيدة وسيطاً للتعبير والتواصل، في زمنٍ باتت تتغلب فيه الصورة (في حمولات مادية، وتعبيرات وتجليات) على الكلمة، ما لا يُخفيه الحديث عن "زمن الرواية". فالحديث عن "تفوق" الرواية على القصيدة (في السوق، لا في الأدب) لا يعدو كونه التفاضل (على سبيل المثال) بين لعبة كرة القدم ولعبة الكرة الطائرة، حيث لا يستقيم كل فن أدبي بشروط الأدب ذاتها. فإذا كانت الرواية تحظى بمقادير من الرواج، المشفوع برواج السرد في السينما والتلفزيون وغيرها، فإن هذا ينتظم في بناء إنشائي وسردي يُرضي المتذوق أياً كانت مستوياته التعليمية أو الأدبية، فيما تحتاج القصيدة، وتَشتمل، في تضاعيفها، على الحمولات التراكمية لرفعة الشعر القديمة، حيث كانت القصيدة أقرب إلى خطاب الأسطورة والإلهام والنبوءة. باتت القصيدة، في أحوالنا العربية، وفي العالَم، تفتقر إلى ما كان يحيط بها سابقاً من مكانةٍ علوية وجامعة لإجمالي الثقافة والذائقة، ومن "علوم" كانت ترفدها وتحتاجها، فكيف للقصيدة أن تتنفس في مجتمع لا يصرف لها ما يُسهِّل انتشارها، وتعليمها، ورواجها بالتالي ؟ كيف لها أن تنافس، في القراءة الانفرادية الصامتة، الاسترخاءَ الخيالي، السردي، أمام شاشة، لا يذهب المتفرج إليها، بل تأتيه في هاتفه، حيثما يكون ؟
الأكيد هو أن القصيدة تعاني من عزلة متعاظمة، مع أنها تَحفل، بل تضجُّ بدبيب العالم، وتُقدِّم أحياناً مقترحاتٍ تعبيرية وجمالية أشد جدةً وتركيباً من جمالية الصورة، الثابتة أو المتحركة. لهذا يمكن القول إن شعرية القصيدة العربية متشكلة، فيما لا نقوى على القول عينه في توافر الشروط الثقافية وغيرها لـ"تلقي" هذه الشعرية عند القارئ.
قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي، بما وفرتْه من ذيوعٍ ويُسرٍ في التداول، قد خففتْ من "عزلة" الشعر، ومن مصاعب نشر الكتب الشعرية من دون "دعم"، أو على نفقة الشاعر نفسه، إلا أن هذا النشر البديل "عممَ" – لا سيما في العالم العربي، ما لا نجده بالضرورة في بلدان أخرى – انتشاراً واسعاً، لا يصلح في الشعر على أي حال، عدا أنه أظهرَ "أنوية" مفرطة، بل متفاقمة، جعلت من الاستسهال عنواناً لها، من دون أي ضبطٍ ممكن لما هو صالح أو غير صالح للنشر.
القصيدة تعيش في هذا المهب الذي يُهددها، ويَحول، في صورة متزايدة، دون توافر قارئ يلاقي القصيدة في عزلتها، ويتشدد في الطلب على جماليتها : القصيدة تُخاطبنا من عالي وحشتها، فهل نلتفت إليها ؟
(ملتقى "استعادة الشعر من الآباء الأوليين إلى الألفية الجديدة"، مؤسسة العويس الثقافية بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، عَمان، 24-11-2024)