تُعنى هذه المحاضرة بـ: ما قبل النص، وهو ما يسبق النص نفسه، وما يفعل في بنائه. ويشير ما قبل النص إلى مواد مختلفة، منها: مسودة النص نفسها، أو العمليات الكتابية الجارية فيها، وغيرها مما يدخل في تكوين النص. ومن هذه المواد أيضاً "الجنس" (شعر – نثر، رواية، مسرحية...)، و"النوع" (رواية، قصة قصيرة، سيرة ذاتية...)، الذي يندرج فيه النص؛ وهو خيار ابتدائي يتبناه الكاتب ويشرع على أساسه بكتابة نصه، وفق محددات وقواعد معينة، سابقة على البدء بفعل الكتابة نفسه.
هذه المواد والخيارات المختلفة تسبق النص وعملَ الكاتب، إذاً، وهي مما لا يلحظه الدرس اللساني البنيوي بالضرورة، إذ يبقى مركزاً على حدود النص "الداخلية"، إذا جاز القول، أي على تشكلات بنائه اللغوي وحدها.
تسعى هذه المحاضرة إلى دراسة جانب من هذه المواد، في نطاق الشعر حصراً، عند شعراء عباسيين مختلفين؛ وهو ما يجتمع في نقطتين:
- التعرف التاريخي والنقدي على "النوع" الشعري وأصنافه في المدونة النقدية العربية القديمة،
- إجراء مقابلة بين الأنواع في هذه المدونة وبين القواعد البنائية لقصائد بعينها، بما يدل على التوافق أو الاختلاف أو الخروج عليها.
لهذه المقاربة فوائد بحثية مرجوة، وتتعدى النقطتين المذكورتين، بعد أن أظهر الدرس نفسه عدم كفاية المدونة النقدية القديمة في تعيين النوع الشعري، من جهة، وعدم كفايتها أيضاً في استجلاء تشكلات خافية في أبنية بعض الشعر العباسي تحديداً.
وهناك فوائد غيرها لا تقتصر على نتائج درس ما قبل النص، وإنما تتعداها لتشمل مقاربة النص نفسه، ولا سيما في علاقاته مع غيره من النصوص، أو في تفاعله مع أساليب وقيم فنية وجمالية في عصره، ما يمكن اعتبارها شؤوناً "عابرة" للنص وللغة نفسها، على أنها شؤون مقيمة ومتشكلة فيه. هذا ما أجمعه، في درس النص عموماً، بين: الشعري (من "الشعرية")، والتاريخي بين تناص كتابي وجمالي.
ما يفسر خيار هذه المقاربة هو تراجع الاهتمام بـ"النوع"، سواء في المدونة الفلسفية الأدبية أو في المدونة النقدية، بعد أن شغل اهتمام الفلاسفة والبلاغيين منذ أرسطو حتى هيغل (اختصاراً). وهي حال الدراسات العربية أيضاًً... وإذا كان درسُ النوع عرف بعض الحيوية في القرن العشرين (ومنها درس "محو الحدود" بين الأنواع، أو بين الشعر والنثرً)، فإن هذه الدراسات لا تزال معدودة، ولم تُظهر تماماً الجدوى من قيامها.
تقترح المحاضرة، لهذا الغرض، دراسة قصائد مختلفة من الشعر العباسي، عند الشعراء: أبي نواس (757 - 814)، والبحتري (820 - 897)، وابن الرومي (836 – 896). وتطلب المحاضرة مقاربة تكوينية، تُعنى بدرس جوانب في نوع القصيدة وأشكالها البنائية والأسلوبية، ما لم يتم ملاحظته أو درسه. فماذا عنها؟
هناك قصائد (على ما لاحظ الدارس) انطلقت من أنواع شعرية معروفة (مديح، هجاء، وصف...)، لكنها تشكلت في أبنية شعرية مغايرة لقواعدها، من جهة، كما تداخلت مع أشكال أدبية وفنية، من جهة أخرى. ماذا عن هذا التداخل؟ كيف يتجلى هذا التكوين الناشىء في القصيدة؟ أينتسب إلى تطويرات ممكنة للنوع الشعري في حد ذاته؟ هل تعيَّنَ التكوين الناشىء في قصيدة بعينها أم في عدد منها (ما يشكل خياراً بنائياً لدى هذا الشاعر أو ذاك)؟ وكيف تَعيَّن في بناء القصيدة؟ ما يعني هذا التغير: أهو تجريب نوع جديد؟ أهو إزاحة من نوع إلى آخر؟
في مساءلة "النوع"
لم يتأخر المترجم أبو بشر متى بن يونس القنائي، عند ترجمة كتاب أرسطو في الشعر، عن تسمية الشعر الملحمي بـ"المديح"، والشعر الكوميدي بـ"الهجاء": كيف حدث مثل هذا الخلط بين نوعين شعريين مختلفين؟ أيعود الأمر إلى سوء فهم؟ أيعود إلى تقريب المادة المترجمة إلى القارىء العربي بأنواع معروفة من شعره؟
يمكن للدارس أن يذهب بالأسئلة هذه في وجهات أبعد وأخرى: ما صحة ما جمعَه هيغل بين الأنواع الأدبية المختلفة وبين النظرية الأدبية عموماً، حين وجد في الأنواع الثلاثة (الملحمة، الشعر الغنائي، والشعر الدرامي) ما يناسب تطور الأدب في مجموعه العام؟ ما يمكن أن تكون عليه صلة هذا الكلام بما يروج (في العقود المتأخرة) حول خلطِ أو "محو" الحدود بين الأنواع الأدبية، في كل أدب، وكذلك بين الآداب المختلفة؟
ما يمكن قوله، ابتداءً، هو أن النوع بدا، في دراسات وكتب مختلفة، هنا وهناك، مثل شأن تكويني للشعر، ولكن عابر للتاريخ، غير متفاعل أو متأثر به، ولا بالحياة الاجتماعية والثقافية الجارية في هذا التاريخ. وما تَعيَّن أوروبياً في: الغنائي، والملحمي، والدرامي، تعيَّن عربياً في القسمة بين: شعر ونثر، وفي أنواع معروفة للشعر (مدح، هجاء، رثاء...)، وفي كلام غير جلي كفاية في أنواع النثر (الخطبة خصوصاً).
قد تكون مقاربة ميدفيديف-باختين، ثم جيرار جينيت، وعدد من الدارسين لهذه المسألة، جلبت شيئاً من التجدد في النظر إليها. فقد شدد الثنائي الروسي (من "الشكلانيين الروس") على أن درس النوع لا يستقيم إلا بدرس اجتماعيته (تودوروف، ص 124)، إذ اعتبرا الأنواع أشبه بـ"قنوات اتصال بين تاريخ المجتمع وتاريخ اللغة" (م. ن.، ص 125). هذا ما جعل باختين يدرس النص وفق مقاربة لغوية، من جهة، ووفق مقاربة "عابرة للسانيات"، أي "تناصية" (كما اقترحت جوليا كريستيفا ترجمتها وشرحها)، من جهة ثانية. إلا أن إسهام باختين (ورفاقه)، وإن انفتح على اللغة والتاريخ في آن، لم يَحُلْ دون إثارة مشاكل ناشئة، عدا أن فهمه هذا أتى مشروطاً أو مقيداً تاريخياً.
أما ما قام به جينيت فقد أتى أشبه بتحقيق بوليسي موفق في "ملف" منسي، أو خارج التداول، إذ كشف أن النظرية الثلاثية في الأنواع الشعرية الأوروبية ليست ثابتة أبداً، بل تعدلت تاريخياً (بين ما كانت عليه في المنظور الأرسطي وما انتهت إليه في المنظور الرومنسي). هذا ما جعل النوع يتعين بالتالي بين "نظامية" عابرة للتاريخ (أي تمتلك قدراً من الثبات والاستمرارية)، وبين كون النوع مقيداً بالتاريخ نفسه؛ وهو ما يلاقي (بمعنى من المعاني) ما ذهب إليه باختين وعدد آخر من "الشكلانيين الروس". وماذا عن الدرس العربي للنوع؟
إن العودة إلى مدونة نقدية قديمة، وفحصَ قصائد عربية قديمة، يحتمان البدء بمسألة النوع الشعري الذي تنتسب إليه. إن فحص النوع الشعري في هذه المدونة يُظهر بأن بعضه أكيد من دون أي لبس، مثل: المديح، الرثاء، الهجاء، الغزل، الفخر، الوصف وغيرها. ويمكن الانتباه أيضاً إلى أن غيرها من الأنواع لا تعدو كونها (عند بعض النقاد) تفريعاً داخلياً، إذا جاز القول، مثل تفرع: الذم والعتاب والاستبطاء من الهجاء... وهو ما يمكن قوله في المدح وتفرعاته أيضاً.
تبدو هذه الفروع (في نهاية المطاف) داخل النوع الواحد مثل اجتهادات واقتراحات في قسمة المعاني وتوزيعها على مدار الكلام الشعري. وهو ما يبلغ عند ابن رشيق حدود القول بأن المديح والهجاء يختصران إجمالي النوع الشعري: “إنه قد سهل السبيل إلى معرفة وجه الهجاء وطريقه ما تقدم في قولنا في باب المديح وأسبابه، إذ كان الهجاء ضد المديح” (ص 113). وهو ما انتهى إليه، قبل ابن رشيق، قدامة بن جعفر: “ليس بين المرثية والمدحة فصل إلا أن يذكر في اللفظ ما يدل على أنه لها (...). وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه، لأن تأبين الميت إنما هو يمثل ما كان يمدح في حياته” (ص 118)؛ وهو ما يستكمله بالقول: “لا فصل بين المديح والتأبين إلا في اللفظ دون المعنى” (ص 119).
ما يمكن قوله، إثر هذه المراجعة المقتضبة ولكن الدالة، هو أن النوع عنى منحى في تناول المعنى، بما يفيد عن مقاصد القول الشعري: منها ما يفيد الشاعر بنفسه ولنفسه (في الفخر والغزل والهجاء وغيرها)؛ ومنها ما يفيد الشاعر لغيره (مثل الرثاء، والمديح...)... وهو ما أخلص منه إلى القول: لم ينعم النقد العربي القديم بقواعد وتحديدات "نظامية" للنوع، وما انتهى إلى تعيينه لا يسلم من التباسات وتداخلات (مثل الفروقات بين النسيب والغزل، أو أن الهجاء مقلوب المدح، أو أن الرثاء مدحُ الميت...).
كما يتضح أن النقاد اجتهدوا واختلفوا في ما درسوا؛ وهو أول ما يتضح في تسمية ما تحدثوا عنه، إذ لم يتفقوا عليه بل أطلقوا عليه تسميات مختلفة: "ركن"، "صنف"، "غرض"، "نوع" وغيرها. كما اختلفوا في عدد الأنواع، ما يعني أن هذا التصنيف لم يكن “مستقراً”، لا في تعيينه ولا في تقسيمه. وهو ناتج أول في الدرس، إذ يُظهر بأن النوع لم يبلغ في النقد العربي القديم حدوداً أكيدة في تعيينه وفروعه.
يمكن التحقق كذلك من أن الاجتهادات والاقتراحات تولدت لأن هذه الأنواع بلغت العهود الإسلامية من العهد الجاهلي، من دون أن "تصطحب" معها نظرية نقدية موافقة، ما جعل المجال متاحاً للبلاغيين ولبعض الفلاسفة في الاجتهاد والتصنيف. وهي اجتهادات عوَّلتْ على الخطاب الفلسفي والكلامي والحجاجي في استبيان الفروق بين نوع وآخر، أو في ملاحظة فروع في النوع الواحد.
إلا أن المدح حظي من دون غيره بتعريفات وتحديدات عالية، حتى إنه قام مثل "مؤسسة شعرية" في العهد العباسي. وبلغت التحديدات تعيين "أغراض" بعينها للمدح، تتوزع القصيدة بين بدايتها وانتقالاتها الداخلية، بينما لم تحظ الأنواع الأخرى بتعريفات خاصة بها، بل بتحديدات شملتها كلها، وخصَّت البناء الداخلي للأبيات. وتعيَّن البناء، عند بعض البلاغيين، في الحديث عن بناء "بسيط" أو "مركب" للقصيدة، وفي الحديث عن "استقلال" البيت أو عن "اقترانه" بغيره (ابن الأثير)، ما بلغ عند بعض النقاد الحديثَ عن "فصول" متتابعة في القصيدة الواحدة (حازم القرطاجني).
ما يمكن الخلوص إليه هو أن النظرية النقدية القديمة جعلت لنوع بعينه (المدح) قواعد في "أغراضه" وبنائه، فيما لم تخص الأنواع الأخرى (عدا معناها العام) إلا بقواعد بنائية تخص شكلها، وهي قواعد مشتركة بين الأنواع كلها، على أنها محل جدل واجتهاد بين البلاغيين.
في مساءلة القصائد عن أنواعها
هذا الفحص لا يكتمل (على ما تقترح المحاضرة) إلا بإجراء مقارنة بين ما تقوله النظرية النقدية المذكورة وحاصل الشعر نفسه (أي ما أنتجه الشعراء وفق هذا النوع الشعري أو غيره) بهدف التعرف على الفوارق بين التعريف نفسه والتجربة الشعرية نفسها. فما يمكن القول؟ أهذا صحيح على ضوء النظر اللغوي والتاريخي؟
هذا ما أعالجه في قصائد مختلفة، هي التالية:
- "نضتْ عنها القميصَ لصبِّ ماء" لأبي نواس؛
- "المركب الميمون" للبحتري؛
- مقتطفات مختلفة من شعر ابن الرومي (راجع: الملحق). فماذا يمكن القول فيها؟
يتمُّ، بداية، الوقوف عند كل قصيدة في حد ذاتها لملاحظة مدى اقترابها من هذا النوع أو ذاك، ثم ملاحظة التشكلات المغايرة فيها... وأول ما يتضح هو أن قصيدة أبي نواس تنطلق من الغزل، وقصيدة البحتري من المدح، لكنهما تفترقان عما هو معروف في هذين النوعين.
هذا ما يمكن معاينته في قصائد مختلفة للشاعرين، إذ يتضح أن القصيدة الخمرية عند أبي نواس تتحول في قصائد مختلفة إلى "جلسة شراب"؛ وهو ما أجده عند البحتري في قصيدة نادرة في شعره: "ليلة سوء"...
كما يمكن الوقوع على قصائد لا تنتسب إلى أنواع معروفة، مثل: وصف حيوان (أو صيده)، وهو ما أجده في قصائد مختلفة عند الشاعرين.
هذا ما يتعين كذلك في قصائد تُعنى بوصف الهيئة الإنسانية، مثل المشوَّه في قصيدة للبحتري... كما يتبين أن لأبي نواس قصائد "ذاتية" محض، لا تنتسب إلى الفخر أو الاعتداد القبلي وغيره (كما هي معروفة في أنواع شعرية)، ما يعد بروزاً بل تشكلاً لخطاب أنا المتكلم المنصرف إلى ذاته وحدها. كما يمكن التنبه إلى بلوغ أبي نواس حدود التخيل السردي، المستقى من القصص الديني، إذ يصوغ، في إحدى قصائده، اجتماعاً سردياً بينه وبين إبليس.
أما عند البحتري فإن التبديلات في النوع وتشكلاته تَظهر أكثر ما تَظهر في المديح تحديداً. ففي أكثر من قصيدة يتفرع النوع (بعد المقدمة الطللية وغيرها) إلى تناول إنجازات الخليفة العمرانية، مثل: البحيرة، والقصور، والحلبة، وإيوان كسرى وغيرها. كما يتناول، في المديح، الاحتفالات الموصولة بالخليفة نفسه، مثل: استقبال وفد الروم وغيرها؛ وهو ما لا يكتمل إلا بالحديث عن معركة بحرية ("المركب الميمون") وغيرها. وهي تجديدات، بل انزياحات، نجد بعضها ماثلاً في شعر غيره، إلا أن البحتري ذهب مذاهب جديدة في مديحه؛ بل يمكن الحديث عن بداية انقلاب في النوع، جعل المدح يتحول إلى "مدح سلطاني"، وحوَّلَ الشاعر نفسه إلى شاعر خليفة بعينه (أو "شاعر الأمير"، كما قيل بعد وقت).
هذا ما يمكن الوقوع عليه أيضاً عند ابن الرومي، مثل تحويل المدح إلى حديث عن الإنجازات، أو تحويل الهجاء إلى وصف الهيئة، أو تحويل الوصف الطبيعي إلى بناء بصري وتشكيلي للمشهد وغيرها. فإذا انصرف الشاعر إلى وصف دار الممدوح قام بمعاينة البناء والأقسام الداخلية فيه والرياض المحيطة به، فضلاً عن زينته الداخلية، قبل التوقف لقول بعض الكلام المدحي في صاحب الدار. وهو ما يقوم به في قصيدة تتوقف عند حفلة صيد، فنراه يُقبل على وصف حاله النفسية، وأحواله مع أصحابه، وانتعاش نفسه أمام مغيب الشمس، قبل الحديث عن الطيور والرماة وغيرهم. وهو ما يفعله في مأدبة، أو في وصف عنب...
يمكن أن أخلص، من هذه المراجعة، إلى وجود ثلاثة تشكلات، هي التالية:
- تحويل داخلي لأغراض قصيدة المدح؛
- أولوية الشكل على المعنى في وصف الهيئة، وفي الهجاء والخمريات وغيرها؛
- تشكل قصيدة خارج الأنواع المعهودة.
لا يسع الدرس – وإن بلفتات سريعة – إغفال أن بعض التبدلات هذه سابقٌ، أو ظاهرٌ عند شعراء سابقين، ولا سيما عند بشار بن برد (في "جلسة غناء")، أو عند أبي تمام (في تحويل قصيدة المدح إلى قصيدة في "إنجازات" الخليفة العسكرية كما في "فتح عمورية")...
ولا يمكن أيضاً إغفال أن التبدلات هذه استجابت إلى مقاصد ناشئة، ولاسيما في تبلور هوية بعض الشعراء في حياة المجتمع المدنية، بما يُظهر تمايزها، أو في تبلور حاجات سلطانية ناشئة في الخلافة وفي صورة الخليفة نفسه.
بين القصيدة والعين
تبين معنا أعلاه أن شعراء أقدموا على تحويل أنواع شعرية عن مقاصدها، في المدح والغزل والخمريات وغيرها، فيما اتضح بروز أنواع أو تشكلات بنائية غير معروفة في سابق الشعر العربي، ما يشير إلى تفاعلات نصية متأتية من الشعر نفسه (بين الشعراء أنفسهم، كما سبقت الإشارة أعلاه)، ومن خارج الشعر نفسه، أي من خطابات كتابية أخرى، أو متأتية من احتياجات اجتماعية وفردية وسلطانية.
إلا أنني وجدت أن درس هذه التجارب الشعرية وغيرها لا يستقيم إن لم يلحظ الدرس وجود علاقات تفاعلية أخرى، جمالية تحديداً (ما يقع أيضاً في التاريخي)؛ وهو ما طلبتُ الوقوف المتأني لدرسه في شعر ابن الرومي، ثم في الشاعرين المذكورين وغيرهما. فماذا عما يربط شعر ابن الرومي بأساليب وقيم الفن في عصره؟
أمكنني التحقق، في "ديوان" ابن الرومي، من وجود أشكال من العلاقات بين التصويري والكتابي، ما يدل على تاريخية الفن الإسلامي، وعلى جمالية خصوصية تقوم على التواكل بين الشعر والعين، ما يمكن جمعه في ثلاث مسائل:
- الإخبار عن الفن،
- احتفاء القصيدة بما تراه العين،
- تبادلات جمالية بين القصيدة وغيرها من الفنون.
غير قصيدة في ديوان ابن الرومي تتحدث عما يمكن تسميته بأنواع الفن، ما يتعين في عدد منها، مثل: الخط، والتمثال، والدمية، والغناء، والتزويق، والوشي، والزينة، والبُسط، والعمائر والرياض وغيرها (ما يمكن العودة إليه في الشواهد الكثيرة المرفقة بهذه المحاضرة). وهو لا يذكرها ذكراً وحسب، وإنما يتناول أوجهاً مختلفة منها، ما يدل عليها، وعلى إنتاجاتها، وممارسيها، وطرق صنعها، وما يخصها من ألفاظ اصطلاحية.
"يونقُ العينَ حسنُ ما في...": يقول ابن الرومي، وهو ما يمكن قوله في غالب شعره، إذ إن القصيدة عنده تصدر عن عين، وقبل الوجدان. وإذا كان الشعر العربي القديم لا يوفر صورة على درجة من الشفافية عما كانه الإنسان والمجتمع فيه، فإن ذلك يختلف مع العصر العباسي (بعد الشعر الجاهلي)، حيث بتنا نتعرف فيه على المدن والأحياء والناس، على اختلاف مراتبهم وطبقاتهم، وعلى سلوكاتهم وأذواقهم وقيمهم وغيرها. وهو ما تعين أيضاً في تغير أبنية القصيدة نفسها، فظهر فيها شكل سردي لافت، ابتداء من أبي نواس، ما يعني، في هذا المستوى أيضاً، انفتاح القصيدة على الزمن الجاري. وهو ما اتخذ سبيلاً بيناً قام على إبراز "فردانية" الشاعر نفسه: للقصيدة ذاتٌ متفردة تَصدرُ عنها وتتكفل بها؛ والشاعر كائن شعري، لا صوت مخدوم لغيره من القبيلة إلى الخليفة.
هذا ما يتعين خصوصاً في "تشكيلية" القصيدة عند ابن الرومي، إذ نلقاه، في كثير من شعره، يتوقف عند ألوان ما يتحدث عنه، بل تتعين الأشياء والموجودات والكائنات في صفات لونية. وهو ما يتضح في ملاحظة أشكال الأشياء التي يقوم بوصفها، حتى إنه يرى إليها في أحوال عديدة مثل سطور فوق الورق، أو مثل آيات القرآن المزينة. بل يذهب أبعد في تصوير المشهد، إذ ينتبه إلى حركيته الداخلية، كما في وصف الأحدب الشهير، أو في وصف أنف عمرو، أو في كيفية عمل قالي الزلابية، أو الخبّاز... وهو يتمهل في وصف ما لا يوصف، ما لا يراه إلا بعينه الجمالية، إذا جاز القول، كما في وصف صوت وحيد المغنية...
ما يستوقف في شعر ابن الرومي يتعدى هذا كله ليشمل مواطن الحسن (أو الجمال) في القصيدة، وكيف أن الحسن يتبادل علاقات تقوم على تفاعلات بين القصيدة وغيرها من الفنون، ما يعكس صورة أوفى عن الفنون، وما هو دال في حد ذاته على الذائقة الفنية والجمالية: بين الخط والزينة الفردية، بين الصورة الدينية المسيحية والتمثال، بين وشي الثياب والخط وغيرها الكثير.
ولقد تحققت من أن هذا التبادل بين الخط واللغة، بين الخط والذوق عموماً، يجده الدارس في شعر أبي نواس قبل ذلك، إذ يقول:
"قد كسَّرَ الشعر واوات، ونضده فوق الجبين، وردَّ الصاغَ بالفاء".
(أبو نواس، 1، 34-35).
كما يقول:
"له عقربا صُدغٍ، على وردِ خده، كأنهما نونانِ من كف عاشقِ".
(أبو نواس، 2، 155).
كما يقول أيضاً:
"فصبَّ فأبدتْ، ثم شجت، فكُتبتْ ثمان من الواوات يضحكن في سطرِ" (1، 452).
هذا يعني أن بعض الغلمان والظرفاء في العصر العباسي أقدموا على تصفيف شعورهم وفق أساليب الخط العربي وزينتها. وهو ما عُرف في نطاقات مختلفة في العيش العباسي، حيث نلحظ تشاركات لافتة، بين الزي والخط، بين الغناء والترف، بين الظُّرف والتحضر. هكذا أعاد ابن الرومي (بعد امرىء القيس) للعين الناظرة فرصتها في أن تكون عيناً رائية للوجود والإنسان، بل عيناً محتفية بما تستحسنه ويروق لها من مناظر وهيئات.
هذا ما يمكن التحقق منه في ثنايا كتابات أخرى خارج الشعر نفسه، من أبي العلاء المعري إلى أبي حيان التوحيدي، حيث يبرز خطاب المثقف لنفسه، في شكواه مما يحصل له، في مناجاته لفسحة الكتابة نفسها، في عنايته المتزايدة بجمالية ما يكتبه، ما يجعل ورقة الكتابة مدونة ذات نبر فردي واحتياج خصوصي، وتكون بالتالي تجربة جمالية بالمعنى التام للكلمة، بين القول والوجود.
يؤكد ألستير فاولر أن لا "أساس نظرياً" للأنواع، على الرغم من احتياج الكُتاب لأنماط النوع، ولتوجهاتٍ ينطلقون منها عند مباشرة أعمالهم الأدبية، حتى عند التعرض لها أو تحويلها. فهو يعتبر أن النوع "يولد من جديد ويتجدد في كل امتحان جديد يعرفه تطور الأدب، وفي كل عمل فردي" يُقدم عليه أحد الأدباء. ذلك أن الأدب، في حسابه، "يتوقف عن أن يكون أدباً، إن خرج على النوع" (ص 84).
موقف فاولر حذر و"متوازن" في آن، إلا أن ما يقوله يوافق خصوصاً الأدب الحديث، ولا سيما في تجاربه التجديدية. فهو لا بناسب تماماً غالب الشعر العربي القديم، ولا الشعر الأوروبي القديم بدوره. ذلك أن الآداب القديمة، هنا وهناك، تقيدت بنماذج نظامية، أي بأنواع وقواعد، وإن خرجت عنها أحياناً، أو في صورة جزئية. وهي نماذج وقواعد جمعية، تشبه وتلاقي الفنون الأخرى (بين معمار وتصوير وغيرها)، ما كان يتعين في الفضاء الديني والسياسي، وتالياً في القصور والدور. هكذا يمكن ملاحظة أن البحتري وضع قواعد متجددة لدورة البلاط، فيما نحا أبو نواس وابن الرومي صوب الحياة الجارية في الشارع والبيت وتلبيةً للمتعة الخاصة.
(محاضرة في ورشة دولية في "جامعة برلين الحرة"، 12-17 آذار-مارس 2014).
ثبت المصادر والمراجع
- ديوان ابن الرومي : شرح مجيد طراد وغيره، (7 مجلدات)، دار الجيل، بيروت، 1998.
- شرح ديوان أبي نواس : ضبط معانيه وشروحه وأكملها : إيليا الحاوي، (مجلدان)، منشورات الشركة العالمية للكتاب، دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب العالمي، بيروت، 1987.
- ديوان البحتري : تحقيق : كرم البستاني، (مجلدان)، دار صادر للطباعة والنشر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1966.
- قدامة بن جعفر : “نقد الشعر”، تحقيق : محمد عبد الرحمن خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت.
- شكري محمد عياد : "كتاب أرسطوطاليس في الشعر"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993 .
- أبو الحسن حازم القرطاجني : "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"، تحقيق : محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1986.
- أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني : “العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده”، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الرابعة، 1972.
Alastair Fowler : Kinds of literature. An introduction to the theory of genres and modes, Harvard University Press, 1982.
Gérard Gennette : Introduction à l’architexte, Paris, 1979.
Gérard Gennette : Des genres et des œuvres, (1999), éditions Points, Paris, 2012.
C. Guillen : Literature as system: Essays toward the theory of literary history, Princeton Univ. Press, 1971.
Tzvetan Todorov : Mikhaîl Bakhtine, le principe dialogique, suivi de : écrits du Cercle de Bakhtine, éditions du Seuil, Paris, 1981 .
Théorie des genres (collectif) : Gérard Gennette, Hans Robert, Robert Jauss, Jean-Marie Schaffer, Robert Schoyes, Zolf Dieter Stempel et Karl Vietör, éditions du seuil, Paris, 1986.
أبو نواس
نَضَتْ عنها القميصَ لصَبّ ماءِ
- شرح ديوان أبي نواس، ضبط معانيه وشروحه وأكملها: إيليا الحاوي، (مجلدان)، منشورات الشركة العالمية للكتاب، دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب العالمي، بيروت، 1987 .
نضَتْ عنها القميصَ لصَبّ مَاءِ
وقابلتِ النسيمَ وقد تعرّت،
ومدّت راحةً كالماءِ منها
فلمّا أن قضَتْ وطراً وهمّتْ
رأت شخصَ الرّقيبِ على التّدَاني،
فغابَ الصبحُ منها تحتَ ليلٍ،
فسبحانَ الإله، وقد براها
(1، 53). فوَرّدَ وجههَا فرطُ الحياءِ
بمعتدلٍ أرقٌ من الهواءِ
إلى ماءٍ مُعَدٍّ في إناءِ
على عجَلٍ إلى أخْذِ الرّدَاءِ
فأسبلتِ الظلاَمَ على الضيَاءِ
وظلّ الماءُ يَقطرُ فوقَ ماءِ
كأحسنِ ما يكون من النّسَاءِ
البحتري :
المركب الميمون
ديوان البحتري، تحقيق: كرم البستاني، (مجلدان)، دار صادر للطباعة والنشر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1966 .
ألم تر تغليس الربيع المبكرِ *** وما حاك من وشي الرياض المنشرِ
وسرعان ما ولى الشتاء ولم يقف *** تسلل شخص الخائف المتنكر
مررنا على بطياس وهي كأنها *** سبائب عصب أو زرابي عبقر
كأن سقوط القطر فيها إذا انثنى *** إليها سقوط اللؤلؤ المتحدر
وفي أرجواني من النور أحمر *** يشاب بإفرند من الروض أخضر
إذا ما الندى وافاه صبحا تمايلت *** أعاليه من در نثير وجوهر
إذا قابلته الشمس رد ضياءها *** عليها صقال الأقحوان المنور
إذا عطفته الريح قلت التفاتة *** لعلوة في جاديها المتعصفر
بنفسي ما أبدت لنا حين ودعت *** وما كتمت في الأتحمي المسير
أتى دونها نأي البلاد ونصنا *** سواهم خيل كالأعنة ضمر
ولما خطونا دجلة انصرم الهوى *** فلم يبق إلا لفتة المتذكر
وخاطر شوق ما يزال يهيجنا *** لبادين من أهل الشآم وحضر
بأحمد أحمدنا الزمان وأسهلت *** لنا هضبات المطلب المتوعر
فتى إن يفض في ساحة المجد يحتفل *** وإن يعط في حظ المكارم يكثر
تشن النجوم الزهر بتن خلائقا *** لأبلج من سر الأعاجم أزهر
هو الغيث يجري من عطاء ونائل *** عليك فخذ من صيب الغيث أو ذر
ولما تولى البحر والجود صنوه *** غدا البحر من أخلاقه بين أبحر
أضاف إلى التدبير فضل شجاعة *** ولا عزم إلا للشجاع المدبر
إذا شجروه بالرماح تكسرت *** عواملها في صدر ليث غضنفر
غدوت على الميمون صبحا وإنما *** غدا المركب الميمون تحت المظفر
أطل بعطفيه ومر كأنما *** تشوف من هادي حصان مشهر
إذا زمجر النوتي فوق علاته *** رأيت خطيبا في ذؤابة منبر
يغضون دون الإشتيام عيونهم *** وفوق السماط للعظيم المؤمر
إذا عصفت فيه الجنوب اعتلى لها *** جناحا عقاب في السماء مهجر
إذا ما انكفا في هبوة الماء خلته *** تلفع في أثناء برد محبر
وحولك ركابون للهول عاقروا *** كؤوس الردى من دارعين وحسر
تميل المنايا حيث مالت أكفهم *** إذا أصلتوا حد الحديد المذكر
إذا رشقوا بالنار لم يك رشقهم *** ليقلع إلا عن شواء مقتر
صدمت بهم صهب العثانين دونهم *** ضراب كإيقاد اللظى المتسعر
يسوقون أسطولا كأن سفينه *** سحائب صيف من جهام وممطر
كأن ضجيج البحر بين رماحهم *** إذا اختلفت ترجيع عود مجرجر
تقارب من زحفيهم فكأنما *** تؤلف من أعناق وحش منفر
فما رمت حتى أجلت الحرب عن طلا *** مقطعة فيهم وهام مطير
على حين لا نقع يطوحه الصبا *** ولا أرض تلفى للسريع المقطر
وكنت ابن كسرى قبل ذاك وبعده *** مليا بأن توهي صفاة ابن قيصر
جدحت له الموت الزعاف فعافه *** وطار على ألواح شطب مسمر
مضى وهو مولى الريح يشكر فضلها *** عليه ومن يول الصانعة يشكر
إذا الموج لم يبلغه إدراك عينه *** ثنى في انحدار الموج لحظة أخزر
تعلق بالأرض الكبيرة بعدما *** تقنصه جري الردى المتمطر
وكنا متى نصعد بجدك ندرك الـ *** معالي ونستنصر بسيفك ننصر
(مجلد 1، ص 450-452).
السبائب: خصلة من الشعر؛ العصب: ضرب من البرود؛ الزرابي: من النبت الأخضر؛ عبقر: وادي الجن؛ الأتحمي: ضرب من الثياب؛ تشرف: أطل؛ الهادي: العنق؛ العلاة: السندان والناقة الجسيمة؛ السماط: الجنود المصطفة؛ صهب العثانين: الروم (لأن لحاهم يُخالط بياضَ شعرها حمرةٌ)؛ العود: المسن من الإبل؛ المجرجر: المردد صوته في حنجرته؛ أراد بالشطب المسمر: السفن.
شواهد من شعر ابن الرومي
ديوان ابن الرومي، شرح: مجيد طراد وغيره، دار الجيل، بيروت، 1998 (سبع مجلدات).
كأنني كلما أصبحتُ أعتبُه
(1، 161).
له شاهدٌ، إن تأملتَه
(1، 228).
فيها حلاوةُ ظرفٍ غير منتحلٍ
يَزينها بإشاراتٍ ملحنةٍ
(…)
فما تطايرَ كالمخلوق من شررٍ
(1، 264).
لها منظرٌ في العين يشهدُ حسنُه
(1، 281).
له حُبُكٌ إذا اطردت عليه
(1، 368).
دُرُّ صهباءَ قد حكى دُرَّ بيضا
تحمل الكأسَ والحُليّ فتبدو
(…)
يونقُ العينَ حسنُ ما في أكفٍّ
(1، 413).
همومي محدثاتي، وبستا
(1، 487).
أيامَ أستقبلُ المنظورَ مبتهجاً
(1، 512).
يُلقى العجين لجيناً من أنامله
(1، 542).
بنفسجٌ جُمعت أوراقُه فحكى
ولازورديةٍ تزهو بزرقتها
كأنها وضعافُ القضب تحملُها
(1، 615).
كأنما القلم العلوي في يده
(2، 87).
ذو صورةٍ قمرية بشرية
وإذا تأملَ نفسَه لم يقتصر
(2، 141).
تتغنى كأنها لا تغني
لا تراها هناك، تجحظُ عينٌ
من هُدُوِّ، وليس فيه انقطاعٌ
مدَّ في شأوِ صوتها نفسٌ كا
وأرقَّ الدلالُ والغنجُ منه
فتراه يموت طوراً، ويحيا
فيه وَشْيٌّ، وفيه حَلْيٌ من النغـ
(2، 578-579).
ولم أرَ مثل الشعر يَنْظِمُ للعلا
(2، 631).
ما أنصفَ الآسَ بالياسمين مُشبهُه
والياسمينُ إذا حصَّلتَ أحرفُه
(1، 654).
بُنيتْ بالمرمر المسـ
ولُبابِ الساج لا بل
واكتستْ ثوبَ بياضٍ
(3، 97).
ذا تماثيلٍ حسانٍ
نشرتْ أسرةُ كسرى
أو رماةً في طرادٍ
(3، 102).
ورازقيٍّ مَخْطَفِ الخصورِ
كأنه مخازن البلور
قد ضُمَِنتْ مسكاً إلى الشطور
وفي الأعالي ماءُ وردٍ جوري
لم يُبقِ منه وهجُ الحرور
إلا ضياءً في ظروف نور
(3، 164).
يا عمرو: لو قُلِبَتْ ميمٌ مسكنة
فإن ضنِنتَ بميمٍ (...) صاحبها
ولا تميلنَّ عن عمرو إلى عُمرٍ
(3، 209-210).
محفوفةٌ شهوة النفوس على
(3، 367).
أما رأيتَ الدهر كيف يجري؟
يُظهر ما أكتمُه من عمري
بأحرفٍ يخطُّها في شعري
يمحو بها غضَّ الشبابِ النضر
إذا محا سطراً بدا في سطر
(3، 392).
تَخايلُ في حُمرٍ وصفرٍ كأنها
مرادٌ لمرتادِ السرور ومرتعٌ
(3، 436)
وبدا به الجدري فهو كلؤلؤٍ
(...)
فكأنه ورق المصاحف زانه
(3، 440).
فبِع الأنيس من الأنيس فبيعهم
هل ما ترى من منظر أو مسمع
إلا وهم شركاء في مُتعاته؟
(3، 616).
فأما إذا ناديتهم لمُلمةٍ
(3، 640).
كأن خبوء الشمس ثم غروبها
تخاوصُ عينٍ من أجفانها الكرى
(4، 112).
كالبحر يرسبُ فيه لؤلؤه
(4، 372).
ما قلتُ فيه "كأن" إلا أعوزتْ
لكنني استفرغتُ في تشبيهه
(4، 405).
ما كابدَ الأسرَ عانٍ في يدي زمن
ولا وأى عنك حسنُ الظن موعدَه
(4، 441).
ترى أصفرَها الفاقـ
كعين الناظر الضاحـ
(4، 501).
يُرَفعن أصواتاً لداناً، وتارة
(...)
غناءٌ ووجهٌ مونقان كلاهما
ورقاصةٍ بالطبل والصنج، كاعبٌ
(5، 114-115-116).
إن العيون لتشتاق الرياضَ إذا
(5، 184).
بينها غادةٌ تشارك فيها
(5، 475).
خذها كأوشية الريا
مطبوعةً مصنوعةً
(6، 356).
وباذنجانُ محشيٌّ تُراه
(7، 191).
مغنيةٌ حقاً بإسقاط نقطة
(7، 221).
لابنة الوائلي وسواسُ حَليٍ
ولمن تيمته وسواس همٍّ
(7، 265).
أخط حرفاً على صفحٍ من الماء
ظهرتَ على سره الغائب
إلى فخامةِ علمٍ غير مؤتشبِ
كأنها نغمُ التأليف ذي النسب
ولا تواقرَ كالمنحوت من خشب
على مَخْبرٍ يُهدي السرور إلى القلبِ
قرأتَ بها سطوراً في كتابِ
ءَ عروبٍ كدمية المحرابِ
فتنة الناظرين والشراب
ثم تسقي، وحسنُ ما في رقاب
نيَ ثماره الخروبُ
ولا أحنُّ إلى المذكور مكتئباً
فيستحيل شبابيكاً من الذهبِ
كُحلاً تَشَرَّبَ دمعاً يومً تشتيتِ
وسط الرياض على حُمر اليواقيتِ
أوائلُ النار في أطراف كبريتِ
يُجريه في أي أنحاء الأمور نحا
تستنطق الأفواهَ بالتسبيحِ
منها على التصوير والتشبيح
من سكون الأوصال، وهي تُجيدُ
لك منها، ولا يَدِرُّ وريدُ
وشجوٌ، وما به تبليدُ
فٍ كأنفاس عاشقيها مديدُ
وبراه الشجا، فكاد يبيدُ
مُسْتَلذاَ بسيطُه والنشيدُ
مِ مَصوغٌ، يختال فيه القصيدُ
فنون الحلى، لو أنه غيرُ كاسدِ
والآسُ منه مكانُ الياء مفقودُ
فاليأسُ منه مكانَ الياءِ معدودُ
نون والتبر النضار
بيلنجوج * القماري
ليلُه مثل النهار
من صغارٍ وكبارِ
دستبنداً * في دوارِ
خلف سربٍ أو صوارِ
باء محركةً لم تخطأ الفُقَرُ
فبدِّلْ العينَ غيناً أيها الغَمَر
فينتضي لك من أكفانه عُمَرُ
أحسنِ نضيدٍ تروقُ مُبصرها
زرابيُّ وشيٍ نمنمتْهُنَّ عبقرُ
به سمعٌ للسامعين ومنظرُ
فوق العقيق منضدٍ مسطورِ
نقطٌ وشكلٌ في خلال عشور
- وأبيك – أكيسُ للأريب الأكيس
أو مطعمٍ أو منكح أو ملبس
فمَن السليم من الشريك الأشكس؟
فنادوا التصاويرَ التي في الكنائس
وقد جعلتْ في مَجنح الليل تمرضُ
يُرَنِّقُ فيها النوم ثم تغمض
سفلاً، وتطفو فوقه جيفه
أشباهُه فعجزتُ عن تكييفِه
جهدَ المُطيق، وحدتُ عن تحريفه
إلا رجا بكَ فاءً واصلتْ كافا
إلا غدت وهي حاءً واصلت قافا
عَ في أبيضها المونقِ
كِ في محجره المشرق
يُنَمْنِمْن وشياً غير وشي الحوائك
(...)
لها غنجُ مخناثٍ وتكريهُ فاتكِ
ما الزهرُ أشرقَ فيها وهو مشتبكُ
بهجةَ الشمس صورةُ التمثال
ض وفوق أوشية الرقوم
تختال في الحقل الضموم
يعومُ كعنبرٍ في دهنِ بان
إذا ما شَدَتْ ظلتْ وأشداقُها تُلوى
آخرَ الليلِ فوق صدرٍ خلي
سائرِ الليلِ تحت صدر شجي
• يلنجوج : عود الطيب، منسوب إلى: قمار، مكان إنتاجه.
• دستبند: رقص المجوس.