(ناقش الطالب جوزف الشرقاوي، المنتسب إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في الفرع الثاني، أطروحة لنيل شهادة الماستر في الدراسات الفلسفية، تحت إشراف الدكتورة نايلة أبي نادر، وهي بعنوان : "فلسفة الفن الإسلامي : قراءة شربل داغر النقدية"، وترأس لجنة التحكيم الأستاذ الدكتور محمود أمهز، وشارك فيها الدكتور محمود الزيباوي، والدكتورة المشرفة. انعقدت جلسة المناقشة في مبنى عمادة كلية الآداب، في العشرين من شهر تشرين الأول-أكتوبر 2016، ونال الطالب إثر مناقشتها درجة : جيد جداً).

 

وفيما يلي تقديم الشرقاوي لأطروحته :

قد تكون الجمالية ما يجمعنا، في ظلّ جميع اختلافاتنا، وعلى الرغم من أن هناك عصبيات غير مبرَّرة تحطّم أي تواصل ممكن. ولكن ألا نجد أن الجمالية يمكن أن تؤسس لدورٍ ثقافي، إجتماعي، وسياسي، في حياتنا ؟ ألم يحلم ماركس يوماً بمجتمع من دون طبقات، والفارابي بمدينةٍ فاضلة ؟ ألا نستطيع أن نجد أفراداً في مجتمعنا يختلفون في ما بينهم بسبب الذائقة، ويعبّرون عن هذا الاختلاف بواسطة وسائل الإعلام أو غيرها من دون اقتتال ؟ ألا يمكن أن يكون هذا الفكر الأساس الأول في بناء نهضة عربية جديدة ؟ من هنا، يجوز لنا أن نضع الجمالية كخشبة خلاص ترفعنا من المأزق الذي نحن فيه ؟ لذا، قمنا بالبحث في الجمالية الإسلامية، خصوصاً عند شربل داغر.

 

أسباب إختيار المفكر شربل داغر

لقد اخترنا داغر لعدة أسباب، أهمها أنه مشرقي، وهو من رواد ناقدي الخطاب الغربي للجمالية الإسلامية، الذي أثّر في معظم الخطابات الجمالية الإسلامية، ليبدأ بالبحث عن بديلٍ عنه، وذلك من خلال كتب المسلمين ومفكريهم التي أهملها المستشرقون، كالجاحظ وإبن الهيثم والتوحيدي، ومن خلال المعاجم، وبخاصةٍ "كتاب العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي، ومن خلال كتب الرحالة والمستشرقين، وغيرها من المراجع لبناء منهجه. لذا، نرى أن داغر قد بنى منهجه في تواصل وتعارض مع الفلسفة الغربية الحديثة، التي طالما درسَها وانتقدها، لأنها شكّلت حاجزاً متيناً يمنع من قيام خطاب فني غير غربي، مستعيناً بالتاريخ الذي أعطاه مادة غنية واقعية بعيدة عن التجريد وغيرها من العلوم الإنسانية كالإقتصاد والإجتماع والأنتروبولوجيا.

 

المصاعب التي واجهتنا في البحث

لقد مررنا بعدّة مصاعب واجهتنا في هذا البحث الشيّق :

أولاً - صعوبة اللغة التي اعتمدها داغر في كتبه، مما جعلنا نقرأ كل فكرة عدّة مرات خوفاً من عدم فهمها ومن سوء تفسيرها، خصوصاً وأن الأفكار مترابطة ومتناسقة. لذا، فإن أي انحراف عن خطّه وعن خطة بحثه تبعدنا عن المعنى الأساس الذي توصّل إليه المفكر.

ثانياً - قراءة داغر للعديد من الفلاسفة، مما ألزمنا قراءتهم بتمعّنٍ بغية فهمهم، وبعدها قراءة تفسير داغر لهم ونقدهم.

ثالثاً - كثرة العلوم التي اعتمد عليها داغر من أجل بناء منهجه، لأن كل علم يختصّ بقواعده وباستقلاله عن باقي العلوم كالتاريخ والاقتصاد والإجتماع، وهذا ما حدا بنا إلى قراءة بعض الأبحاث لفهم نصوصه الفهم المناسب لها.

رابعا - الجهد الذي بذلناه من أجل الغوص في تكوين فكر داغر الجمالي، والبحث في الأسس والمصادر المعرفية التي بنى عليها نظريته النقدية. إن الأمر جعلنا نبذل جهداً إضافياً بهدف التعمّق في الفكر الغربي : أذكر منها، على سبيل المثال : كتاب "إيمانويل كانط: "أنطولوجيا الوجود" للكاتب جمال سليمان، وكتاب "خمسون مفكراً أساسياً معاصراً من البنيوية إلى ما بعد الحداثة" للكاتب جون ليتشه، وآخر للكاتب ألكسندر كوجيف، ولجان-ماري شيفر وغيرها.

خامساً - أجبرنا الكتاب الأساس، "الفن والشرق"، بجزئيه، الذي اخترنا العمل عليه، أجبرنا على تتبّع مسار داغر الجمالي في أكثر من كتاب منذ صدور كتابه الأول في مجال الجمالية : "الحروفية العربية : فن وهوية"، ثم "مذاهب الحُسن : قراءة معجمية-تاريخية للفنون في العربية"، مروراً بـ"الفن الإسلامي في المصادر العربية : صناعة الزينة والجمال" وبـ"اللوحة العربية بين سياق وأفق" ووصولاً إلى "العين واللوحة : المحترفات العربية".

إن هذه الصعوبات جعلت مدّة البحث تطول إلى أربع سنوات متواصلة، كما أن صعوبة فكر داغر جعلت من نقده أمراً صعباً هو الآخر.

 

تقديم الرسالة 

لذا، نقدّم رسالة الماجستير تحت عنوان "فلسفة الفن الإسلامي : مقاربة شربل داغر النقدية"، وهي بحث في الجمالية القديمة كما وردت في نصوص داغر، من خلال كتبه : "الفن والشرق" بجزئيه، و"مذاهب الحُسن: قراءة معجمية – تاريخية للفنون في العربية"، و"الفن الإسلامي في المصادر العربية: صناعة الزينة والجمال".

لقد خصصنا الفصول الثلاثة الأولى لكتاب "الفن والشرق"، والفصل الرابع والأخير لكتاب "مذاهب الحسن..." و"الفن الإسلامي في المصادر العربية..."، علماً بأننا قد خالفنا تاريخ إصدار هذه الكتب، بسبب أن كتاب "الفن والشرق" هو الكتاب الأساس لبناء النظرية العامة للجمالية الإسلامية كما ورد في مقدمة كتاب "الفن والشرق".

قمنا بتعريف الفن، لاسيما الفن الإسلامي في الفصل الأول، كما ورد عند داغر، ولم يكن هذا التعريف ماهوياً، بل كان تاريخياً متصلاً بعوامل عدّة تاريخية ومادية واقتصادية واجتماعية : إنها الجمع والتنافس على الملكية والنظام الإعتقادي واللغة. أما في الفصل الثاني، فقد عرّفنا مصطلح التداول عند داغر ومستوياته، كما عرّفنا الدورة وتحدّثنا عن دورتي النادر والعريق، على الرغم من أنها لا تدخل في صلب موضوع الفن الإسلامي، إلاّ أنها تُشكل "التكوينية" لهذا الفن، لأن هناك بعض المواد التي دخلت في هاتين الدورتين، أصبحت متعارف عليها على أنها مواد فنية إسلامية.

أما الفصل الثالث فيتحدث عن الفن الإسلامي من خلال سيرورة الملكية وسيرورة المعنى. أما هذا التقسيم بين السيرورتين فهو غير موجود بطبيعة الحال إلاّ من أجل الدراسة، لأنهما متعالقتان وغير منفصلتين. وتتشكل سيرورة الملكية من إعادة إنتاج العمل الفني، وتناقل العمل الفني، والحفظ الختامي للعمل الفني. والجدير بالذكر أن إعادة الإنتاج عند داغر تختلف عن إعادة الإنتاج عند والتر بنجامين الذي جعل من هذا التعبير إنتاجاً جديداً لعملٍ فني أصيل ليكون في متناول الناس، في حين تصبح إعادة الإنتاج عند داغر هي بمثابة ولادة ثانية للعمل الفني وهوية جديدة. أما سيرورة المعنى فتتكوّن من وضع المعنى وإجتماعية المعنى، وعائد الفن.

وتحدثنا في الفصل الرابع عن كتاب "الفن الإسلامي في المصادر العربية..."، وشددنا على قراءة أبي حيان التوحيدي وإبن الهيثم، خصوصاً أن داغر قد اختارهما لما أصابهما من إهمال؛ ثم نتحدث عن كتاب "مذاهب الحسن..." والذي يبحث في الجمالية العربية من خلال معجم "كتاب العين" للخليل ابن أحمد الفراهيدي.

 

استنتاجاتنا من البحث

بناءً على بحثنا استنتجنا وتوصّلنا إلى فكرتين رئيستين وهما :

أولاً - لقد عرّف داغر الفن الإسلامي، خصوصاً في دورة النادر، بالشيء : ألا يقترب بهذا التعريف من الفكر الكانطي الذي اهتمّ بمسألة التناغم بين المخيّلة والفاهمة من دون مفهوم ؟ أم أنه لم يحدد الفن في هذه المرحلة وينتظر دورة الفن الإسلامي ليتمّ تعريفها، ليتوافق مع الروح الهيغيلية في مرحلتها الأولى، وتبقى هذه الروح من غير تحديد إلى حين دخولها في التاريخ ؟ أم أن داغر أراد من هذا التعريف تحديد شيئية الفن، بمعنى أنه يسأل ما الذي يجعل الفن فناً ؟

وفقاً لقراءتنا، نرى أن داغر قد اقترب من كانط من ناحية معاينة الفن، وليس من ناحية علاقة المخيّلة بالفاهمة، خصوصاً أن الفن عند داغر هو عمل اجتماعي، يقوم به فنان ويتلقاه محيطه ويقبل به من خلال ثقافة محددة. لذا، يتوافق داغر مع ديفيد هيوم من ناحية أن التذوق له قاعدة أنتروبولوجية تجريبية تتأثر بالثقافة مثل المعرفة. لكن داغر يعود ليتوافق مع كانط من حيث إنه يعطي الأهمية للحس المشترك، إذا جعلنا من هذا الحس يحمل سمات ثقافية مشتركة في مجتمع ما. أما بالنسبة إلى علاقة تعريف الفن عند داغر بعدم التحديد عند هيغل، نرى بأن داغر لم يُرد أن يترك الفن من دون تعيين في دورة النادر، بل أن عملية الجمع في هذه الدورة لم تحمل صفاتاً مشتركة سوى غرابة المواد المجلوبة في نظر الجامع. لذا، نرى أن داغر يبتعد كلياً عن التجريد، كما هو الحال عند هيغل، بل يصل إلى نتيجة عكس كانطية : إذا أردنا أن نحلل الغرابة والدهشة، فهي تتلاءم أكثر مع نظرية التسامي عند كانط وليس نظرية الجمالية. بمعنى آخر أصبح الفن في دورة النادر ما هو أشبه بالمتسامي عند كانط، خصوصاً أن الغرابة هي أشبه بعدم التناغم بين المخيّلة والفاهمة. كما أن داغر لم يبحث في شيئية الفن بالمعنى المجرّد، بل في شيئيته بالمعنى التاريخي الاجتماعي، وذلك على صعيد جميع الدورات.

ثانياً - ما الذي ميّز داغر عن باقي الفلاسفة والمفكرين الذين اختاروا المنهج التاريخي في تحليلهم الفكري ؟ هنا، سنحلل باختصار أهم ما توصلنا إليه من خلال ثلاثة فلاسفة ومفكرين، وهم : ماركس، ونيتشه، وفوكو.

- كارل ماركس : لقد بحث ماركس في التاريخ، وقام بقراءته من خلال التشكلات الطبقية والخلاص الإنساني بواسطة إلغاء الطبقية، فأتى فكره "خلاصياً" ابتداء من الوضع المزري للبشرية. لذا، نرى أن قراءته لم تأتِ تجريبية وصفية، بل جاءت تقويمية للتاريخ على أساس الخير والشر ابتداء من طبقة العمّال. أما بالنسبة إلى داغر، فقد قامت نظريته، بعد قراءة تاريخية وصفية، من دون أي خلفية نظرية لتفسير هذا التاريخ، بل قام بالبحث عن الواقع والحدث الإنساني ليعيد بناءه من خلال المراجع.

- فريديريك نيتشه : هو من أسّس الجينيالوجيا في الأخلاق، ودعا إلى الابتعاد عن الأنطولوجيا ليعيدنا إلى فكر بروتاغوراس وغورجياس اللذين أُهملا في ما مضى. ولكنه لم يدرس الفن بنفس المنهج الذي اقترحه، ووقف بذلك على عتبة الحداثة في الجمالية، خصوصاً أنه قد أُبهِر بالفن الإغريقي القديم وأساطيره، ويشكّل ديونيزوس وأبولون مثالاً على ذلك. لذا حطّمت مطرقة نيتشه جميع الأصنام باستثناء أصنام الجمالية التقليدية. أما بالنسبة إلى داغر، فقد بحث في الحواجز التي تمنع قيام جمالية غير غربية، خصوصاً في الخطاب الاستشراقي الغربي وفي الفلسفة الغربية، على الرغم من أنها قد تظهر لنا أحيانا متسامحة من خلال كوسموبوليتية خدّاعة.

- ميشال فوكو : لقد بحث فوكو في أركيولوجيا المعرفة من خلال الخطاب والتشكيلات المعرفية (Epistémé)، وداغر أكثر قرباً منه، مع أنه انتقده في كتاب "الفن والشرق" : إن التشكيلة المعرفية تقوم عند فوكو على ثلاثة مبانٍ وهي : نظام الغنى، ونظام الحياة، ونظام اللغة، ثم تصبح هذه المباني الاقتصاد السياسي، وعلم البيولوجيا، والآداب من دون درس أسباب هذا التحوّل، ومن دون درس الفاعلين. لعلّ إهمال دور الفاعلين في التغيّر الحاصل بين تشكيلة معرفية وأخرى يعود إلى أن الذات عند فوكو تبقى غير أصيلة، بعكس داغر الذي بحث في جميع الفاعلين وهم الحكّام المحليون، والمستشرقون، والديبلوماسيون، والإكليروس، والحكّام الغربيون، والدولة الفرنسية، والعسكريون، والفنانون وغيرهم. كما بحث داغر في أسباب التحوّل من دورة إلى أخرى، فتكون بذلك الثورة الفرنسية هي أحد أسباب التحوّل من دورة النادر إلى دورة العريق مثلاً. ولَّدَ هذا الاختلاف بين داغر وفوكو اختلافاً كبيراً في النظرة إلى الدولة والقوانين وملحقاتها : ينظر فوكو إلى الدولة في نظام الدم كدولة معاقِبة لمواطنيها، ثم في نظام الحياة كدولة مراقبة، في حين تكون الدولة عند داغر مركنتيلية بالنسبة إلى علاقتها مع الشرق، وهي راعية الفنون بعد الثورة الفرنسية، بعد أن كان دورها شبه مغيّب في دورة النادر. أما بالنسبة إلى القوانين في المعنى العام (أي نقصد بها جميع النصوص الصادرة عن سلطة عامة) فتبقى نصوصاً تخلق تأقلماً بين السلطة والمواطنين عند فوكو، أما عند داغر فتمتاز بعدّة صفات، أهمها: بالنسبة إلى الامتياز، فقد حسّن العلاقات الديبلوماسية بين الفرنسيين، من جهة، والسلطنة العثمانية، من جهة أخرى، فكان له أثر واضح على عملية الجمع. بالنسبة إلى القوانين بعد الثورة، فقد شكّلت اللحظات الأولى لقيام دورة العريق، وفقاً لداغر. بالنسبة إلينا، نرى أن فوكو قد ابتعد كثيراً عن منهجه الجينيالوجي النيتشوي. كيف ذلك ؟

لقد اعتبر فوكو أن قراءة هايدغر لنيتشه منقوصة، خصوصاً أنها تفسّر نيتشه على أنه قلبٌ عادي لأفلاطون، فيجعل كل ما هو ملموس أساساً، أما الأنطولوجيا فتبقى ثانوية. ثم فسّر فوكو نيتشه على أساس أنه رفضٌ لكل ماهية غير تاريخية، وبالتالي دمجَ الماهية مع الوجود. فأتت مواضيعه، كالجنس والعقاب والجنون، متعلّقة بالجسد. لكن الذات عنده بقيت غير أصيلة، لتأتي هذه المواضيع، أي الجنس، والعقاب، والجنون، تُعرِّفنا على الذات وعلى ماهيتها، وبهذا نستنتج أن فوكو يبتعد عن نيتشه ليقترب أكثر من قراءة هايدغر التي انتقدها. في حين يبقى داغر ماركسياً ونيتشوياً أكثر من ماركس ونيتشه من ناحية الجمالية، ويبقى وفياً لنيتشه أكثر من فوكو من ناحية الجينيالوجيا والقراءة التاريخية.

إذا قارنّا المنهج الأركيولوجي عند فوكو، خصوصاً في كتاب "الكلمات والأشياء" بالمنهج الأركيولوجي عند داغر، لا نرى أي تشابه بينهما :

أراد فوكو تخطّي الفلسفة من خلال الأركيولوجيا، لتصبح الفلسفة خطاباً مستقلاً بذاته، ويتّصل خطابها بباقي الخطابات العلمية من خلال التشكيلات المعرفية وهي : تشكيلات التشابه، وتشكيلات التمثّل، والتشكيلات المرتبطة بالتاريخ. ثم أخذ يحدد القواعد التي تجعل كل علم من هذه العلوم مستقلّة بذاتها. في حين أراد داغر نقد الفلسفة الغربية التي منعت من قيام أي جمالية إسلامية، فقرأ الخطاب الاستشراقي حول الفن محاولاً كشف ثغراته، ثم استعان بالعلوم الإنسانية من أجل بناء منهجه. لذا لم يعتبر كل علم من هذه العلوم مستقلاً بذاته، بل بحث فيها وكأنها وحدة متكاملة. وعلى هذا الأساس، نرى أن داغر يرفض صيغة استقلالية كل علم بذاته، وذلك بسبب ثقافته المعجمية النادرة نوعاً ما في ظلِّ وجود التخصّص في كل مجال بعينه. ومن خلال بحثه، يرى داغر أن الفرنسيين ينظرون إلى الفن الإسلامي بواسطة ثلاثة مفاهيم أو دورات وهي : النادر، والعريق، والفن الإسلامي.

 

المكتسبات من هذا البحث وخلاصة عامة :

من خلال البحث، استفدت من قراءتي لداغر في العديد من الأمور التي سأتكلم عليها هنا بإيجاز، وهي :

أولاً - صعوبة النصوص شجّعتني على قراءة العديد من الفلاسفة، ما حسن من اطلاعي ومن تعمقي في النصوص الفلسفية.

ثانياً - صعوبة المنهج عند داغر، والذي يعتمد على الكثير من العلوم، مما زاد من ثقافتي التاريخية والأنتروبولوجية والإجتماعية وغيرها من العلوم.

ثالثاً - نقضَ داغر العديد من الأصنام الفكرية، والتي تُعَدُّ من المسلّمات، ومن خلال هذا البحث، رأيت أن هناك جمالية إسلامية واضحة المعالم، ولكن الخطاب الغربي لا يدرسها كما يجب.

رابعاً - تنامى عندي حسّ النقد، على الرغم من أنني لم أستطع انتقاد فكر داغر لصعوبته، إلاّ أنني أستطيع انتقاد عدّة فلاسفة من خلال داغر، من جهة، ومن خلال قراءتي الخاصة بي لهم، من جهةٍ أخرى. 

هذا لم يمنعني من إبداء ثلاث ملاحظات نقدية على منهج داغر في سيرورة المعنى، وهي التالية :

من خلال تعريف وضع المعنى، يربط داغر ما هو مادي بما هو ماورائي، علماً بأن المنهج العام، أي التداول يرفض كل ما هو تجريدي ما ورائي، ويكتفي بما هو تاريخي وإجتماعي.

عند دراسة علاقة النص بالمعنى، أشرنا إلى أن داغر يحصر المعنى بالكتابة، وبالتالي يكون موضوع بحثه التشكيلات المعرفية، في حين يتكلّم على سلوكات المجتمع والثقافة والفن، أي المنطوق بدلاً عن التشكيلات المذكورة أعلاه.

رأينا في بحث داغر، خصوصاً في الخطاب عن الفن، أن معظم المواضيع تتمحور حول علاقة الموضوع بالتأويل من ناحية المطابقة بينهما، وهي ثنائية فكرية تخطاها التفكّر الكلاسيكي إبتداءً من هيغل.