توقف الكثير من الدارسين عند قصيدة ابن الرومي، الشاعر العباسي، كمرآة لحياته الشخصية، وكمعرض للطرافة والغرائبية، لكن د. شربل داغر، الأستاذ في جامعة البلمند ـــ اللبنانية، قدّم رؤية مغايرة، تعتمد على بنية القصيدة عند ابن الرومي، ومن خلالها يقرأ التراث البصري لعصره.
ضمن الموسم الثقافي الـ 18 لدار الآثار الإسلامية، حاضر في مركز الميدان الثقافي، الدكتور شربل داغر عن «عين القصيدة: قراءة جمالية في شعر ابن الرومي»، وقدم المحاضر وأدار الحوار الدكتور فيصل الكندري رئيس قسم التاريخ في جامعة الكويت.
رسم تبسيطي
توقف داغر عند ابن الرومي، كما قال، لاتساع مدونته الشعرية وتنوعها، ولخصائص فنية متعددة بانت في شعره. فديوان ابن الرومي يعد من أكبر الدواوين العربية، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق.
وقال داغر «ان الدارسين عملوا على ربطٍ تلقائي بين قصائد ابن الرومي ووقائع حياته، خالصين إلى رسم نفسي تبسيطي لشخصه، مما جعله «غريباً» أو «طريفاً» في أحسن الأحوال. وما كان جديراً بالبحث، أي إبراز اختلافه عن غيره، في شعره كما في سلوكاته، تحول إلى تناول غرائبي له».
ورأى داغر أن الأخبار والتفاسير التي اتصلت بحياته لم تصرف عنايتها إلى القصيدة نفسها، إلى أبنيتها، مكتفية بشروحات «حولت الصورة في شعره إلى طرفة، أو إلى إجادة في الوصف ليس إلا».
عين القصيدة
قدّم داغر شرحا وافيا لعلاقة الشاعر العباسي ابن الرومي بالفنون الإسلامية، قائلا:
«ما يعنيني التوقف عنده، بداية، في درس الديوان، هو أنه يشكل مدونة واسعة تساعد في التعرف على بصرية الفن في العصر العباسي، لا سيما بصرية القصيدة، مما جعلني أتحدث عن: «عين القصيدة».
وأكد داغر أن قصائد كثيرة في ديوان ابن الرومي تتحدث عما يمكن تسميته بأنواع الفن، مما يتعين في عدد منها مثل: الخط، والتمثال، والدمية، والغناء، والتزويق، والوشي، والزينة، والبسط، والعمائر، والرياض وغيرها. هذا يستجمع ويدل على أنواع هذا الفن، كما انتهينا إلى التعريف بها في القرنين الأخيرين في المجموعات الخاصة والمتاحف المختلفة. وابن الرومي لا يذكرها ذكراً وحسب، وإنما يتناول أوجهاً مختلفة منها، بما يدل عليها، وعلى إنتاجاتها، وممارسيها، وطرق صنعها، وما يخصها من ألفاظ اصطلاحية.
مواطن الحسن
وقال داغر ان ما يستوقف في شعر ابن الرومي يتعدى هذا كله، ليشمل مواطن الحُسن في القصيدة، وكيف أن الحُسن (أو الجمال) يتبادل علاقات تقوم على تفاعلات بين القصيدة وغيرها من الفنون، مما يعكس صورة أوفى عن الفنون، وعن مذاهب الحسن فيها.
«وجدتُ في شعره تعبيرات شديدة الحسية، إذ يحيل في أكثر من بيت، في أكثر من قصيدة، على الحواس كلها، أو يمعن في تذوق كل حاسة لمباهجها. مما يستثير مشاعر الفرح كما الحزن، العتاب أو الهجر، أو التذوق التلذذي بالمتع المختلفة. كما يحيل أيضاً على تعالقات أو تشاكلات بين فنون مختلفة، مما هو دال في حد ذاته على الذائقة الفنية والجمالية: بين الخط والزينة الشخصية، بين الصورة الدينية المسيحية والتمثال، بين وشي الثياب والخط وغيرها الكثير».
(جريدة "القبس"، الكويت، 24-10-2012).