غياب المبدعين، وإن أتى في عمر متقدم، لا يناسبهم أبداً؛ لا يليق بهم، بحضورهم، وبما يفعلون.
غياب المبدعين لا يناسبنا، إذ تحلو الحياة لنا معهم، طالما أنهم يجددون نظرتنا إلى الحياة، ويعطونها، هي نفسها، معنى، بل معان هي غير معانيها التالفة والفاسدة والمتزاحمة في هذا الزمن العربي المقيت والسقيم.
كيف أقبل بغياب من كنت أسميه: "الفارس"؟ كيف لي أن أقبل بتوقفه عن الحراك، عن المبارزة، عن تبديد حجب الظلمات عن عيوننا الجاحظة أمام الشاشات... هذه الشاشات التي لا تُعمِّم علينا سوى صور الموت بوصفه الشهادة الأكيدة عن وجودنا، عن حضورنا في العالم؟
لا يليق الموت بمبدع مثل رافع الناصري، إذ كانت وقفته أكيدة مما تقف عليه، وضحكتُه عريضة تَعِدُ دائماً ببهجة وأفق.
الغياب لا يناسبه بأي حال، طالما أن الفارس يبقى في الذروة، في احتدام اللون بالشكل، في اصطراع المشهد التشكيلي بعناصره وتشكلاته.
مثل رافع الناصري لا يغيب. إنه حي فينا. في آثاره الباقية، المنتشرة، المحفوظة، التي تُدرَس في جامعات، ويجري التنافس على ملكيتها هنا وهناك، فيما تُسرع متاحف إلى امتلاكها، إلى حفظها الأخير.
لهذا سيكون كلامي عنه، في هذا اللقاء، كلام شكر، كلام امتنان، لما أسعدنا به، لما سيسعدنا به، نحن وغيرنا، معنا وبعدنا، طالما أنه بدَّل بعض نظرتنا إلى اللون والشكل والفن والثقافة. إذ إن في طرف ريشته ما كحَّلَ به عيوننا.
لهذا ليكنْ الكلام عنه مناسبة لا للحزن – ونحن حزينون عميقاً -، وإنما للتفكير في ما فعل، في ما ترك لنا ولغيرنا.
لا أشدد على هذا للتخفيف من الحزن أمام هذا الغياب الصاعق، وإنما للتشديد على أمر قد يخفى علينا، وهو أن رياحاً مسمومة، كريهة، تعصف في بلادنا المختلفة، ومنها العراق، وتهدد وجودنا بكل معانيه، تهدد الفن نفسه وإشراقاته في حياتنا وثقافتنا... تهدد ما فعله رافع الناصري، وقبله شاكر حسن آل سعيد وكثيرون، قبلهم وبعدهم... تهدد هذا الإرث الحي بالاندثار، باللامعنى.
لنعدْ إلى فن الناصري، لنستبينْ فيه بعض معالم جمال حي، ولنتأملْ في الخيارات، في المقترحات، التي تحكمت بفنه التشكيلي لأنها باتت حروفاً في أبجديتنا التي نتعلم بها قراءة الإنسان والوجود.
التغضُّن لوناً وشكلاً
لا يسعني، في حديثي اليوم، الكلام عن مراحل الفنان المختلفة، وهي تتوزع في أكثر من خمسة عقود (حسب عنوان أحد معارضه الأخيرة). هذا يتعدى قدراتي في التتبع والفحص والدرس. كما لا يسعني إجراء تدرج وتتابع فيها، بما يجعلها متناً ومدونة أكيدَين. ما يسعني قولُه بالمقابل هو الإشارة إلى تعدد إنتاجه وغناه، بين حفر على الزنك والخشب وغيرها من تقنيات طباعية، وبين لوحات، وكتبٍ فنية-شعرية، وكتاباتٍ فنية. كما للناصري أستاذية أكيدة في تمكين فنانين وطلاب متعددين، من جنسيات وأجيال مختلفة، من فن الحفر خصوصاً، فضلاً عن حضوره اللامع في منتديات الفن والثقافة، هنا وهناك.
ما يتوجب التوقف عنده، في دراسة الناصري قبل فنه، هو تعددها الشديد ما لم يُتح في السابق، ولا في اللاحق ربما، لفنانين عرب كثيرين: بعد دراسته لسنوات مع مؤسسي ورواد الفن العراقي الحديث، درسَ مثلما تدربَ في الصين على الرسم المائي، والطباعة على الخشب بالأبيض والأسود والألوان المائية؛ كما تمرس في لشبونة بألوان الأكريليك، والحفر على النحاس وغيرها. هذا التعدد الدراسي ما لبث أن نقله إلى تلامذته الكثر، إذ أصر على افتتاح "محترفات" خاصة به، سواء في بغداد أو عمان، تضاف إلى عمله الدراسي المنتظم في بغداد والبحرين وعمان.
تاريخ غني، متعدد، ما لا يسعني جمع مواده كلها، وفحصها، ودرسها، والتفكير المدقَق فيها. ما أقوى عليه، في هذا الحديث، هو الوقوف عند بعض خيارات الفنان، عند بعض مقترحاته، عند بعض إنتاجه، وخصوصاً عند علاقات التصوير والحفر في تجربته... وهذه وغيرها تحتاج إلى درس أوفى واشد، وإلى جلاء بعض غوامضها.
لو توقفتُ عند بعض أعماله، منذ تركه بغداد في العام 1991، لوجدت ما أسميه بـ"المتغضن"، في الشكل كما في اللون. والتغضن يعني، لغوياً، ثني الشكل وتجعيده وتشنيجه، كما يشير إلى التعب والعناء. هذا ما بلغ اللون الأسود في قتامته، بعد احتلال القوات الأميركية للعراق، أو اتخذ لبوسات معتكرة في أعمال أخرى.
هذا التغضن يشير إلى أمرين بنائيين متلازمين في أعماله الأخيرة: تغضنٌ ناشىء عن غلبة ألوان معتمة وغامقة على غيرها، وناشىء عن درجات معتمة، هي الأخرى، في ألوان فاتحة. وهو تغضنٌ يشير إلى الشكل كذلك، ما يظهر في بؤر أو كتل في بعض أعماله، وهي مختلطة في بنائها، تشير إلى تشكلات غامضة، وإلى تمخضات أو عمليات غير جلية.
إلا أن للتغضن وظيفة أخرى، صورة أخرى، وهي أن الناصري يميل من خلال تشكيل هذه البؤر والكتل إلى بناء تصويري، بعيد عن منطق المحفورة، بما تحتاجه وتقوم عليه من أبنية مسطحة، مهندسة في الغالب.
حلا لي التوقف، بداية، عند التغضن إذ هو العلامة الأجلى عن تعبيره التشكيلي في العقدين الأخيرين، وعن خلاصات متجددة في صنيعه الفني. فلقد وجدت في التغضن تعبيراً وحلولاً عما كان يقوم به ويعبر عنه. فالتغضن حمّال معانٍ وأشكال وخيارات مجموعة ومتداخلة: يشير التغضن إلى تعبيرات وجودية-نفسية، وإلى تمثيلات مبهمة عن رؤيته لما يحيط به، بين غربته وحنينه. كما يعين التغضن خيارات جديدة في عمله، إذ بات يميل أكثر إلى أشكال أكثر غموضاً واختلاطاً واعتكاراًُ، وإلى مساحات لونية أكثر بهمة وظلاماً. إلا أن للتغضن دلالة أوسع، أشمل، وهي ما عاشه في الفن، في عملياته، بين المحفورة واللوحة، بين الحفر والتصوير. فما حقيقة العلاقات بين اللوحة والمحفورة في فنه؟
ينساق كثير من الدارسين إلى إيلاء الأولوية للحفر في تجربة الناصري، مستندين إلى ما درس في الصين، وإلى ما درَّسه في بغداد أو أصيلة أو البحرين، وإلى ما أنتجه من أعمال حفرية عرفت نجاحات، وحصدت جوائز، عربية ودولية... وفي ذلك يتصدر الناصري، مع عمر خليل (السوداني)، أو مع غياث الأخرس (السوري) وغيرهما، ريادة فن المحفورة في العالم العربي؛ وفي هذا بعض الحق لما فعله وأنجزه. إلا أن هذا أتى على حساب كون الناصري مصوراً؛ حتى إن التصوير بدا أحياناً في كتابة بعضهم مثل ظل، أو هامش، أو عطلة، أو نزوة، قام بها الفنان في هذه المرحلة أو تلك من تجربته الفنية المديدة.
قد يكون ذلك عائداً في بعضه إلى عمل الناصري نفسه إذ غلَّبَ منطق بناء المحفورة على منطق بناء اللوحة في عدد واسع من أعماله الأكريليك. وهو ما يحتاج إلى مقادير من التبين ثم الدرس.
لا أريد أن أقول إن الناصري انصرف خصوصاً إلى الحفر في عقوده الفنية الأولى، ثم إلى التصوير في عقود تالية، مع أن في قولي ما يحدد بعضاً من ميوله وخياراته الأكيدة في المرحلتين. إلا أنني أريد من هذا أن أتوقف عند منطق أو نسق بناء العمل الفني، أياً كان في تجربته الطويلة. فما بدا لي، متتبعاً أعمالاً مختلفة له، هو أن الفنان، وإن مال في عقوده الفنية الأولى إلى الحفر أكثر من التصوير، فإن محفوراته لا تخلو من معالجة تصويرية. فالمحفورة لا تقوم على بسط متساوٍ للون، كما يتحقق الأمر في المحفورات في الغالب، وإنما تشتمل معالجات اللون على تدرجات أكيدة، هي مما يصلح أكثر في التصوير. وهو ما يصح في الشكل أيضاً، إذ يتعين في تخطيطات مموهة، متكسرة، وهي مما يصلح في التصوير أكثر.
بل يمكن الذهاب أبعد في هذه المعاينة، والقول إن بناء المحفورة عنده، وإن يقوم على تصميمية ناجزة (ما يناسب المحفورة في الغالب)، فإنه يتسم أيضاً بتلاعبات شكلية، فوضوية، عشوائية، في أقسام من المحفورة، ما يجعلها قريبة من العمل التصويري.
بين اللوحة والمحفورة
لهذا لا أجد مبالغة في القول بأن الناصري جعل بعض أسس الحفر وبعض أسس التصوير يتعايشان في العمل الفني الواحد، ويتواكلان، بل يتنابذان أحياناً. كما لو أنه يرسم بيد، ويحفر باليد الأخرى، أو يدعهما تتبادلان الإقبال الشهي على سطح العمل الفني. كما لو أن في قدراته، في خياراته، بين قصدية وعفوية، ما يجعله يستنفر تاريخه الفني في حيز ضيق، وبصورة متوالية.
يقول الناصري عن علاقة المحفورة باللوحة في تجربته: "لا يمكن إلغاء الفروق بينهما، فلكل وسيلته الفنية... عندما أحيل تجربتي في الرسم إلى الكرافيك فمن أجل ضمان نوع من الأسلوبية في العمل. وإذا كانت الأساليب متقاربة أو متشابهة، وإذا كانت المصادر هي نفس المصادر، فلربما تضايق الفنان، وهذا ما يضعه في زاوية خطرة جداً. لهذا حاولت أن أمنح بعضاً من أسلوبيتي للكرافيك. لكن هذا لا يتحقق بشكل كامل، كما قلت. فالمواد المستخدمة، وطريقة تنفيذ العمل الكرافيكي، تبقى مختلفة عنه في الرسم. أما أن يلغى الكرافيك فإن هذا أمر مستحيل، بل العكس هو الصحيح" (في : شاكر حسن آل سعيد (إعداد): "حوار في الفن التشكيلي"، مؤسسة عبد الحميد شومان، دارة الفنون، عمان، 1995، صص 78-79). يتبين مما قاله الناصري بنفسه وجودَ تعايش وتباعد، إذاً، بين المحفورة واللوحة، ووجود وسائل خصوصية بكل عمل فني منهما. كما يتبين أن الفنان لجأ، في أحوال، إلى إقامة صلات بينهما طمعاً بتوحيد أسلوبه الفني الجامع لما يعمله في الفن.
تمثل ميل الفنان الأول، إذا جاز القول، في إنتاج المحفورات، ثم تحولَ في عهد لاحق إلى التصوير وتقنياته، ما تجلى في عدد من الوقائع التشكيلية. وقد لا يكون مبعث التحول هذا عائداً إلى خفوت ملحوظ للمحفورة في المشهد الفني العام، لصالح اللوحة، وإنما يعود إلى حمولات تعبيرية مزيدة بل ضاغطة، وإلى توصلات ومهارات في الصنع انتهى إليها الناصري. إذ لا يخفى على دارس الفن أن للوحة إمكانات في التشكيل، في التعبير، تزيد على إمكانات المحفورة، من جهة، كما تتيح اللوحة للفنان أن يجرب، من جهة ثانية، خيارات مزيدة في التشكيل بمرونة وسهولة ميسرتين.
ما يستحق التوقف عنده، وما يضيء في صورة أقوى صنيع الفنان، هو أن الناصري لم ينقطع أبداً، سواء في محفوراته أو في لوحاته، عن بناء العمل الفني ابتداء من نقطة الوسط، أياً كان المشهد أو البناء الماثلان فيها. وهو في ذلك لم يبتعد أبداً عن أساس البناء في التصوير الكلاسيكي. هذا ما تعلمه خصوصاً في بغداد، في "معهد الفنون الجميلة"، بين العام 1956 والعام 1959، قبل الصين والبرتغال، كما حصَّله من تقليبه لتاريخ الفنانين الكبار في العالم. نقطة الوسط هي مرتكز العمل: يبدأ منها، وينطلق منها، وإن كان البناء العام يحيل في الغالب الكثير على بناء تجريدي السمة.
بدت نقطة الوسط جلية في محفورات سابقة، إذ كانت تقسمها، في شكلها المستطيل، الطولي في الغالب، إلى قسمين علوي وسفلي: علوي سماوي، وسفلي أرضي، ما يحاكي بناء المشهد الطبيعي، وما تعلمه خصوصاً في دراسته الفنية في الصين.
كتبتُ مؤخراً عن أحد أعمال الناصري في معرض جماعي عن الحروفية في الشارقة ما يلي: "العمل ينبني وفق تصميمية بينة، تصلح كثيراً في تصميم المحفورة، قبل مباشرة الحفر فوق صفيحتها. ويمكن القول بالتالي إن بناء العمل عند الناصري بناء ثنائي من أكثر من جهة: ثنائية بين التصميمي والمتفلت، بين صنع المحفورة وصنع اللوحة، بين الأرضي والأفق، بين السفلي والعلوي، بين بسط اللون وتصميم المساحة الهندسية وبين تعرجات اللون والشكل و"خربشة" العلامات والندوب". وهو ما يصح أكثر في عدد واسع من أعماله، ولا سيما الأخيرة منها، ما تشير إليه عناوين بعض معارضه: "تحولات الأفق" (1980)، و"ما بعد الأفق" (1982)...
لو أتوقف عند عناوين بعض معارضه الأخيرة لوجدت فيها إجابات تالية ودالة بدورها: "ضوء من العتمة" (الكويت، 2007)، أو "عتق" وغيرها. فالعتق الذي يشير إليه هذا العنوان لا يعين علاقة مع الزمن باتت محمَّلة بثقل التعبير والألم، ولا يحدد اختماراً للتجربة الفنية ذاتها، وإنما يحيل هذا العنوان، قبل هذه كلها ومعها، على السطح الفني ومعالجاته. فقد بات السطح محمَّلاً بألوان مدعوكة، شديدة الخلط والتداخل، ما يشير إلى طبقات عديدة فيها، فضلاً عن أن ميل الألوان إلى القتامة، إلى البني المحروق خصوصاً، يشير إلى العتق، إلى مرور الزمن وآثاره على الأشياء.
إنه التغضن بدلالاته كلها، الذي يستجمع وجعَ الفنان في الزمن. فقد حل اللون المتغضن محل ألوانه المشرقة، الفاتحة؛ وحلتْ مكانََ الزرقة المفتوحة على فضاء أضواءٌ قليلة من عتمة مطبقة على المشهد لحظة الغسق، إن جاز التشبيه. يقول رافع الناصري: "في الغربة، ومع تقدم سنوات العمر، يتداخل الزمن تلقائياً ما بين ماض وحاضر. حينها تتوارى الصور والذكريات، الأحداث الكبيرة والصغيرة، لتشكل الملامح الرئيسية للحالة الإبداعية. وفي الفن، تمتزج الأفكار والألوان والأشكال مع ذلك الزمن فتكون حالة واحدة".
هكذا عاش الناصري في اللوحة، في المحفورة، ما كان يعايشه عن بعد، عن بغداده الأثيرة. وهذا التغضن يشبه، في التشكيل، ما كانه "الأسى الشفيف"، في الشعر، عند بدر شاكر السياب.
قامات في مجموعات
إلا أن الوقوف عند تجربة الناصري يعني كذلك الوقوف عند جيل، عند مجموعة من الفنانين العراقيين، ممن احتلوا المشهد بقاماتهم الفنية العالية، ولا سيما: هاشم سمرجي، محمد مهر الدين، صالح الجميعي، ضياء العزاوي، اسماعيل فتاح الترك ورافع الناصري. إنهم الستة الذين وقَّعوا بيان جماعة "الرؤية الجديدة"، المطبوع في "مؤسسة رمزي" في شهر تشرين الأول-أكتوبر من سنة 1969.
أتوقف عندهم بعد أن جرى تناسي أنهم ظهروا معاً، أنهم أصحاب "رؤية جديدة"، متحدثين عن كل واحد منهم بوصفه تجربة مخصوصة. وإذا كان التعامل معهم كفنانين مستقلين، كتجارب، يدل على نجاحاتهم وتوصلاتهم الباهرة من دون شك، إلا أنه يشير كذلك إلى نجاح خطواتهم المتتابعة، أي اجتماعهم في مجموعة كان هدفها الأول: الخلوص إلى الفن في المقام الأول. فماذا عنها؟
قد يكون في شخص رافع الناصري، وفي فنه خصوصاً، سيرة مختصرة لأكثر من جيل، لأكثر من طور في حياة العراق الثقافية والوطنية، إذ يستجمع في سيرته بعض ملامح من جماعة "بغداد للفن الحديث"، ولا سيما في علاقته المميزة بشاكر حسن آل سعيد، من جهة، وبجبرا ابراهيم جبرا، من جهة ثانية. كثيرون كتبوا عن مصدرين لفن الناصري: تجربة الصين (بين العام 1959 والعام 1963)، وتجربة البرتغال (في العام 1966)، إلا أن ما يغيب في هذا الحديث هو كون الناصري وليد الفن العراقي الحديث، والمساهم الأساسي في إحدى لحظات تطوره الحاسمة. فقد قامت تجربته وتجربة عدد من أقرانه أشبه بجسر واصل بين تجربة الفنانين الأوائل والرواد في العراق، وبين ما بدأ به هو ورفاقه "الستينيون" (وفق إحدى التسميات الرائجة في الكتابات العراقية) فناً وأدباً.
تشتمل تسمية "الستينيين" هذه على تجارب وإنتاجات في الأدب، والشعر، والتشكيل، وغيرها، وعنتْ نقلة نزاعية بين السياسة والفن في خيارات المثقفين والمبدعين العراقيين. والساعي إلى فهم هذا الحراك التاريخي، الذي يتعدى العراق واقعاً ليشمل بلداناً مثل لبنان والمغرب ومصر وغيرها، يتحقق من أن لها سبباً يتعدى "هزيمة 5 حزيران" المدوية والكاشفة في آن. فالبعض – ومنهم أصحاب هذه التجارب – ربطوا بين أشكال ظهورهم الجديد وخياراتهم الجديدة وبين الهزيمة العسكرية، معلنين التصدي لنتائجها، حتى أن أحد بياناتهم الفنية لا يتورع عن الحديث: "نتحدى العالم... نرفض الهزيمة العسكرية والفكرية لأمتنا... نمجِّد حرب التحرير الشعبية"؛ كما يتحدث: "الثورة تجاوزٌ للقيم السلبية، وبلورةٌ لروح المستقبل، وهي بهذا صانعة الإنسان الجديد" (بيان جماعة "الرؤية الجديدة"، في كتاب شاكر حسن آل سعيد: "البيانات الفنية في العراق"، وزارة الإعلام، مديرية الفنون العامة، بغداد، 1973، ص 35).
هذه النقلة التي أطلقها الفنانون الستة حملت في تضاعيفها بعدَين غير متوائمين بالضرورة:
- إعلان دعوى سياسية أكثر تجذراً مما كانت عليه دعاوى الأحزاب القومية، أو اليسارية التقليدية، في مواكبة لحركات "اليسار الجديد" في العالم، ولانتفاضات الطلبة والشباب في أكثر من بلد أوروبي؛
- إعلان دعوى فنية أكثر عناية بلغة الفنون التشكيلية لذاتها، بعيداً عن الحلول الانتقائية والتوفيقية السابقة.
يحلو لي – وقد خرج بيان "الرؤية الجديدة" من التداول – أن أقرأ بعض فقراته: "الفن ممارسةُ موقف إزاء العالم، عمليةُ تجاوز مستمرة، واكتشافٌ لداخل الإنسان من خلال التعبير. وهو رفضٌ عقلي لما هو موجود خطأ في تركيب المجتمع، وبذلك يصبح عمليةَ خلق متصل يُقدِّم فيه للوجود الإنساني عالمَه المستقل عن طريق الخط واللون والكتلة (...). الفنان ناقد ثوري من خلال سلبية العالم المحيط به (...). الرؤية الفنية ليست إلا صورة من صور استخدامنا لعالمنا الداخلي والخارجي. ولكن الفنان لا يستعين بذلك إلا لكي يُثبِّت دعائم ذلك العالم الذي يريد أن يبنيه من جديد. وبهذا يكون العمل الفني مظهراً لخروج عالم الفنان إلى الوجود العلني (...). الفنان يعيش وحدة العصور كلها (...). الرؤيا الفنية هي الحضور المتحقق في اللوحة (...). فلنكنْ طليعة التحدي (...). كونوا معنا لنوحد الرؤى الجديدة للعالم (...). علينا أن نمزق التراث لنوجده من جديد. علينا أن نتحداه لكي نتجاوزه (...). لنتحدث بلغة الحياة الجديدة، برموزها، بإنسانها الجديد. نحمل روح الاقتحام، وروح التمرد الممزقة لكل شيء محنط" (راجع نص البيان في كتاب آل سعيد: "البيانات..."، صص 31-35).
يحتاج الكلام عن الجماعات الفنية، في العراق وغيرها، إلى كلام كثير، إذ يصعب مقارنتها بما كان عليه منطلق قيام الجماعات الفنية أو الأدبية في أوروبا، الذي ما كان يصدر فقط عن رؤية حضارية، أو سياسية، وإنما عن رؤى فلسفية وجمالية وعن خلاصات أسلوبية. هذا لا يصح، لا في جماعة "الرؤيا الجديدة"، ولا في سابقاتها أو لاحقاتها (مثل جماعات: "آدم وحواء"، و"تموز"، و"الزاوية"، و"الأكاديميون" وغيرها)، إذ تبدو بيانات هذه الجماعات المختلفة إعلانات وخلاصات وعي، فضلاً عن اشتمالها على دوافع ونزوعات وطلبِ تموقع في المجتمع وبين المثقفين والفنانين. يضاف إلى ذلك أن هذه الجماعات ما كانت تنشأ إلا لينفرط عقدها. وقد تكون تجربة الناصري والعزاوي مع آل سعيد في جماعة "البعد الواحد"، وانفصالهما عنها، خيرَ تعبير عن هذا التكون الصعب للجماعات، وللعلاقات بين الفنانين أنفسهم. لهذا وجب عدم الاتكال كثيراً على هذه البيانات لمعرفة خيارات الفنانين، بل يتوجب الانتقال إلى سياق التاريخ، وإلى التجارب الفنية، لسؤالها عما كان يشغلها ويؤسسها واقعاً.
جيل الحداثة الأكيدة
في هذا الإطار يمكن القول إن جيل الناصري وأقرانه هو جيل الخيارات الحداثية الأكيدة في الفن العراقي. فما شغل الفنانين الأوائل والرواد (بين جواد سليم ووالده، على سبيل المثال)، يتعين في أكثر من جيل وفئة، ويتحدد في ثلاث مسائل:
- توطن الفن الوافد في البيئة العراقية؛
- التمرس بأساليب الفن الحديث حسب المدارس الأوروبية؛
- التفاعل مع الإرث الحضاري للعراق، ولا سيما من خلال المكتشفات بين آثار مادية وكتابية، عبر "المتحف العراقي" الناشىء، مع التشديد على دور ساطع الحصري العالي الفاعلية في خيارات الفنانين وفي سياسات التعليم.
اتصلت جماعة الفنانين الستة بهذه المسائل، كما يتضح من خلال تشديدها (في بيانها) على النسب الحضاري للوحة، وعلى الصلة بالتراث، وإن من منظور تجديدي، مختلف عن سابقه. إلا أن تجربة الجماعة بدت أكثر انصرافاً (أو إخلاصاً، إذا شئتم) إلى الفن، في ذاته، لا في ذرائعه، أو في سياقاته. فقد طلبوا من الفن قيامه بنفسه، طلباً لمحاورة أكثر حسماً وتفاعلاً مع أساليب الفن وتغيراته في العالم. وقد تكون بعثة الناصري الفنية، أولاً إلى الصين، ثم إلى البرتغال، خياراً مستجداً ودالاً على هذه الانعطافة، بعد خيارات سابقة متمثلة في باريس أو لندن أو روما وغيرها. وهي انعطافة لنا أن نتبين أسبابها في دخول العراق بعد العام 1958 في دورة سياسية جديدة، تتعدى ظواهرُها إرسالَ البعثات الفنية إلى بلدان جديدة، لتشمل قيام معارض دولية عديدة في بغداد نفسها، وتنظيم معارض عراقية في الخارج، وزيادة الاطلاع والتفاعل مع كتابات الحداثة الفنية في العالم.
عنوان الجماعة، التي أقدموا على تأسيسها، يكفي في دلالته الأولى والحاسمة: "الرؤية الجديدة"، كما لو أنهم تأكدوا من إنجازات الفنانين الأوائل والرواد، أو بالأحرى طلبوا الخروج عليها، منطلقين صوب خيارات أخرى، صوب اختلافات وتمايزات باتت مطلوبة. لهذا قد لا يكون في الأمر مبالغة إن قلتُ بأن تأكد الحداثة الفنية في العراق يعود في بعضه إلى جدة هذه الخيارات، وإلى إنجازات فنانيها، وهو ما يعطي الألق الحالي والمشع للفن العراقي هنا وهناك في العالم. فقد بلغ الصراع بين الفنانين، بين هذه الجماعة وغيرها، ثم في داخل جماعة "البعد الواحد"، صراع الأساليب، والمضي في صورة أبعد صوب خيارات ومقترحات تشكيلية أكثر تجرداً وتجريباً للفن.
يكتب شاكر حسن آل سعيد – وهو أحد أفضل دارسي الفن العراقي ومؤرخيه حتى تاريخه – بتجرد واكتناز وتأمل: "أصبح البحث (في ستينيات القرن الماضي في العراق) عن أسرار الصياغة الفنية، بغض النظر عن كونها صياغة رؤية أسلوبية معينة، لها أبعادها النفسية أو الاجتماعية أو العلمية، قريباً إلى نفوس شباب الفنانين. وبعبارة أخرى أصبح دور الجماعة الفنية دوراً ثانوياً، وقفز الاهتمام بالتقنية لذاتها إلى مركز الصدارة". كما يضيف آل سعيد أن مضمون هذه التجارب الجديدة بات يتعين في: "الفن كإبداع شخصي" ("البيانات..."، ص 12-13).
يشير آل سعيد، في حديثه هذا، إلى جماعة "المجددين" (علي طالب، سالم الدباغ، صالح الجميعي، نداء كاظم...)، وإلى "الرؤية الجديدة"، واجداً أنهما "متكاملتان" في المسعى. كما يميز "الرؤية الجديدة" في أنها ابتعدت عن فكرة الجماعة نفسها، واجدة في اجتماع فنانين بعينهم بين جدران معرض واحد ما يوحد بينهم ليس إلا. هكذا يرى آل سعيد أن نقض فكرة الجماعة أتى ناتجاً طبيعياً لـ"الانكباب على البحث التقني" (ص 13). وهو ما يقوله علي طالب بدوره عن مجموعة "المجددين": "بدأنا نشعر أن تلك الفترة اهتمت بالشكل المحلي، وكانت متخلفة عن الحركة الفنية في أوروبا" (في "حوار..."، ص 62).
قد يكون الوقوف عند الخلاف بين آل سعيد، من جهة، والناصري والعزاوي، من جهة ثانية، دلالة مزيدة على نضوج الخيارات وتمايزها. فقد طلب الفنانان الانفصال عن جماعة "البعد الواحد" لخلافات واقعة في تفسيرات آل سعيد الصوفية لحركة استعمال الخط في اللوحة، فيما اتجه هذان الفنانان (العزاوي والناصري) صوب أن يكون الحرف "عنصراً" وحسب مع جملة عناصر أخرى في بناء اللوحة. هذا ما استمر في بناء أعمالهما الفنية لاحقاً، حيث لم تقم اللوحة (أو المحفورة وغيرها) على الحرف عنصراً بنائياً واحداً لها، بل جعلت الحرف يتضافر مع عناصر أخرى في البناء. كما ارتبط التمايز هذا بمحددات أخرى، مما يقع في الصراع على الأساليب، كما أشرتُ إليه.
يقول رافع الناصري، بعد سنوات، عن الجماعة: "نحن، بالمناسبة، لسنا جماعة. نحن مجموعة، أو تجمع، يختلف عن الجماعات السابقة (...). المهم أننا نؤمن بالعرض الفني المتناسق مع بعض الرؤى والتقنيات والأفكار". كما يقول عن بيان الجماعة بكثير من التأمل الفاحص: "وجدتُ فيه الكثير من الحماس، الكثير من الكلمات الرنانة والكبيرة، التي تظل أكبر من عمرنا، وأكبر من تجربتنا" (في "حوار..."، ص 66).
"أنا الرسام ذو النزعة الحديثة"
كثيرون ربطوا فن رافع الناصري بما درسه في الصين، أو شددوا على نقلته التجريدية في البرتغال... هذه وغيرها إشارات ومعالم دالة في مسيرته، في اختباراته، وفي تراكم تجاربه الممتدة، إلا أن مجموع هذه التجارب ليست تجلياً مستمراً، ابتداء من هذه اللحظة التأسيسية أو تلك.
كما قيل فيه إنه بنى المشهد الساكن، أو غير المرئي، وغيرها من الصفات، وهي تسميات وتصنيفات متقاربة، وتحتاج – على ما أرى - إلى مزيد من التدقيق، بل من المراجعة. ذلك أن هذه الأقوال تتجاهل أو لا تنتبه إلى أن الناصري بدَّلَ وغير وعدل في تجاربه تعديلات جديرة بالانتباه والمعالجة.
طالبُ الفن الآتي من بغداد فتنتْه بنية المشهد الساكن في التصوير الصيني، ولا سيما في فراغاته وهدوئه وتقشفه الشديد. وهذه وغيرها علامات وأدلة تشير إلى صلة ثابتة بمرجع، وهو الطبيعة. هذا ما درسَه وتعلمه مؤكداً في الصين، أي فن الطبيعة الهادئة، الحاوية لسرها، والظاهرة بجمالها. وهو ما نلقاه فعلاً في عدد كبير من محفوراته، ولا سيما في العقود الأولى من تجربته الفنية. إلا أن الفنان خرج من الطبيعة في غيرها من الأعمال، بل استولد طبيعة أخرى، ثانية، إذا جاز القول، في عمله الفني: استولد طبيعة من تشكيل. وهي الطبيعة التي يحلو له أن يبنيها فوق السطح التصويري، أي التي لا ينقلها، بل التي لا يلبث أن يكتشفها بنفسه. وهو في ذلك لا يتأكد من أنه نقل مرجعاً، أو مشهداً، بل من أنه بنى مشهداً غير مسبوق، وحلا له، في عينيه، قبل أن يقترحه على المتفرج بعد وقت. فالناصري في هذه الأعمال حفرَ ورسم ما لم يره سابقاً في مشهد. وهو ما يدهشنا في أعماله: لا تذكرنا بمشاهد جميلة، بل تعرض على عيوننا المشدوهة ما لم تره سابقاً، وما لن تراه بعد ذلك إلا في هذه اللوحة أو في تلك المحفورة.
يحلو لي أن أستشهد بمقطع طويل للفنان في إحدى المرات القليلة التي عرض فيها لرؤيته الفنية: "ما الذي يجعلني أرسم الآن لوحات عن طبيعة كنت قد رأيتها وعشقتها أيام كنتُ في الخامسة من عمري؟ وما الذي يجعلني أضع طيراً يهمُّ بالتحليق من على قمة جبل ما؟ أهي الأسطورة التي كنا نسمعها، ونحن أطفال، عن ذلك الفارس الذي حوصر فوق القلعة في مدينتنا، فقرر السقوط مع حصانه في النهر تخلصاً من أسر الأعداء؟ لماذا كل هذه الآفاق وهذا الفضاء يتلون بين الأزرق والبني المحروق، ممتداً بين النهر والبادية الموغلة في لانهاية الطبيعة دائماً كمصدر للخلق والإبداع؟ ومن الذي يبتكر المشاهد النادرة أو غير المرئية؟ إنه أنا الرسام ذو النزعة الحديثة" (في "حوار..."، ص 73-74).
يتكلم الناصري في هذا المقطع عن علاقته الموصولة والمنفصلة، بين حياته ومشاهداتها وذكرياتها وبين ما قد يعود إليه منها أحيانا. وهي صلة بين ما يكون عليه المرجع وما تنتهي إليه معالجته الفنية نفسها فوق الحامل المادي. لهذا أرى أن الناصري حدد بنفسه ما كان يقوم به، وهو بناء "المشاهد النادرة"، ولعله طلب من الكلام عن "النادر" ما لم تسبق رؤيته، وما يتعين فقط فوق السطح التصويري.
ما يقوله الفنان بنفسه يتعين في لحظة، في تأملٍ، في استجماع علامات ولحظات مختلفة، من حياته ومن فنه. ويمكننا أن نتبين في كلامه معالم اتصال وانفصال بين الطبيعة والعمل الفني، كما نتبين أيضاً بناء مشهدية ما، إلا أن أقواله هذه تختصر مسار التجربة، وتستجمع أطرافها، بل تضغطها بمعنى من المعاني. وما يمكن الركون إليه في كلام الناصري هو خلوصه إلى القول بأنه هو – هو "الفنان الحديث"، حسب تعريفه – الذي يتكفل بهذا كله، ويعطيه معناه الأكيد.
ولقد ذكَّرني قوله بقول شهير لكوستاف فلوبير لقراءه المنبهرين أمام أعماله وشخصياته، من السيدة بوفاري إلى فريديريك مورو وغيرهما، إذ قال لهم: "هؤلاء كلهم هم أنا". قراء فلوبير سألوه، بعد أن عرفوا أنه عاد لكتابة "السيدة بوفاري" إلى خبر صغير في صحيفة يفيد عن انتحارها بعد انكشاف غرامها بغير زوجها الطبيب. لم يصدق القراء أن هذه الرواية المدهشة قامت في مصدرها على خبر مقتضب كهذا، وألحوا في السؤال ظانين بأنه سيكشف لهم "أسراراً" سمع بها أو عاشها، ثم نقلها من الحياة إلى الرواية.
الناصري، مثل فلوبير، ينطلق من بقايا في الذاكرة، من صور هاربة أو ملحاحة، على أنها ما يبدأ به. غير أن ما يفعله فوق الحامل المادي قد لا يعرفه هو نفسه، أو ما سبق له أن عرفه... هو يزور اللوحة أو المحفورة قبل المتلقي، وله أفضلية عليه، إذ قد يعدلها قبل عرضها، أو يعجب بها قبل المتلقي نفسه.
المبدع الحديث هو قارىءُ ومتلقي عمله الإبداعي قبل غيره، وهو ليس ناقلاً بالتالي، ولا خالقاً يرمي عمله خلفه ويمضي.
كل هذا الفن هو رافع الناصري، وهو بانيه مثل علامة وجود، مثل علامة بقاء. ويكون الفن، في ذلك، المقبلَ في الأفق صوب عيوننا.
يقول الفنان عن تجربته الفنية: "بقيتُ المسافر المتعَب الذي تمزقه رؤيا الاكتشاف للأرض الجديدة" (في "المثقف العربي"، 1971). هذا المسافر المتعَب استراح على الرغم منه، إذ إن في نفسه، في أطراف أصابعه، مقادير من الرغبة في تجديد النظر إلى الكون، إلى الحياة. هو استراح ربما، بخلافنا، إذ نجدُّ السير خلفه، في أرضه الجديدة، التي هي أشبه بعالم سحري، بعالم مقلوب عما عاش فيه، وعما سنعيش فيه بعده.
قد تكون هذه وصية رافع الناصري الأخيرة: أن نعيش في عالم أجمل.
(محاضرة في غاليري نبض، عَمان، مساء 26 كانون الثاني-يناير 2014، في مناسبة معرض استعادي جمع بعض أعمال الناصري مع رفاقه الستينيين وعدد من طلابه).