الدمام - ...
"كيف يقرأ الشاعر اللوحة ويحولها إلى فاعل لغوي راقص بالحرف والكلمة؟ وكيف يقرأ الفنان التشكيلي النص الشعري، ويعيد ترتيب ألوانه وهندسته ليصنعه مكونا مرئيا له بعده الإشاري؟"
بهذه الكلمات افتتح الشاعر علي الشيخ الأمسية المكثفة (شعر تشكيلي - قراءة ونصوص) للفنان عبد العظيم شلي والشاعر رائد أنيس الجشي في ختام الفعاليات المصاحبة للمعرض التشكيلي: "كن متنبها لتظل حيا"، للفنان حسين المصوف، والتي تحدث فيها الجشي عن أثر التشكيل الحديث على النص الحديث وتجربته الخاصة من عدة جوانب وأشار إلى كيفية الاستفادة من الفن (الفكر والفلسفة) كتقنية في الفن الآخر. فتحدث أولا عن أثرها على الشكل والإيقاع، مستشهدا بأثر التجريد على إضافة خاصية موافقة الشكل للإيقاع والمعنى، بمعنى أنه لا يتم إفراغ نص شعري في قالب بصري كما يحدث قديما من وضع الشعر في قالب دمعة أو كتابته بشكل تموجات بل تنتهي الجملة الشعرية الإيقاعية مع حدود الشكل التعبيري لها في المعادل الهندسي.
كما تحدث الشيخ عن أثر التشكيل على المعنى الطبقي للصورة، وهذه مستفادة ومطورة من التكعيبية، بحيث تكون الصورة الشعرية مبنية على عدة طبقات من التأويل المتعدد، وتشكل كلها مجتمعة الصورة المقصودة. ثم تحدث عن خدعة اللون التي تشبه خدعة الإيقاع، ومتعة تجريد اللوحة والنص منهما، وعن النص التفاعلي التناسلي الذي يولد من اللوحة ولا يناظرها، بل يبتعد عن وصفها لينقل لذة التجربة المستقاة منها. ثم عن الغموض الذي لا يعني التعمية والكلمات اللونية المفتاحية وبلاغة البتر وضرورة خوض المناطق غير المأمونة للفنان.
ثم تحدث الفنان عبد العظيم شلي عن الأثر العكسي للشعر على التشكيل، وعن استفادة الفنان من الشعر كفكر مع ضرب أمثلة. فالشعر هو إبداع الزمكان في فضاءاته وتخيلاته ابداع لحركية الموضوع المقروء في فضاء الزمن. أما التشكيل فهو ابداع المكان: ابداع لإحداثيات العنصر والموضوع في انتماءاته المكانية الفضائية.
وقدم تجربة الشاعر اللبناني شربل داغر والفنان التشكيلي الأردني محمد العامري في معرض "الغبطة في الكلام.. المتعة في التصوير"، حيث قدم الشاعر قصائد من ديوانه "القصيدة لمن يشتهيها"، وقدم الفنان 18 لوحة مستوحاة من قصائد الشاعر، اتجهت نحو النهج التجريدي، وعكست شغفه بصياغة علاقات لونية مموسقة تحاكي الصور الشعرية، بكل ما تحمله من دهشة وغموض وإحالات صادمة. وتلا بعض نصوص شربل داغر مستعرضا صورا من لوحات المعرض المصاحب.
وفي الجولة الثانية تحدث الجشي عن الشعر والتشكيل الذي يثير أسئلة ويستفز المتلقي على التفكير كحالة تمنع ترغب من المتلقي بذل جهد فكري بسيط ليليق بدهشتها وبالمتعة التي ستهبها له، وعن أسباب عدم تعويله على الرأي الانطباعي، وعرض تجربته مع أحد الأعمال المفاهيمية للفنان حسين المصوف. وقدم المنهج التفكيري الذي أدى إلى تفكيك العمل، والوصول إلى مكوناته، وتكهن الإجابات، ثم إعادة إنتاج النص بطريقة التناسل. وألقى نصه المعنون بـ"ثالوث لتدوير البحر"، وهو النص المصاحب للكتيب الدعائي للمعرض الذي استضاف الأمسية.
ثم تحدث الفنان شلي عن تجربة أخرى لشربل داغر في احتفالية المتحف الملكي الاردني بالمعرض السباعي لـ"شاعر وسبع فنانين"، منهم الفنانة وجدان علي والفنان إيثيل عدنان، متحدثا عن حالة التجريد والحفر والتناظر الحواري اللوني عند بعض الفنانين الاخرين. واقتبس إجابات مهمة الدلالة للشاعر شربل وهو ينظر حول الشعر والتشكيل.
فالشاعر تروق له صفة "التحريض"، لا "التوجيه"، وإحداث الأثر الفني على الأدوات. كما أن بعض الفن ومعاشرته يعين في قراءة ما يمكن أن يكون عليه الاجتهاد في التأليف عند معايشة اللوحة عن قرب واستكشاف ما بها من دلالة على الشعر.
وفي ختام الأمسية، التي حضرها نخبة من الشعراء والتشكيلين والمهتمين بالفنين وتوشاجهما، كان ثمة تحريض على تبادل وجهات النظر والخبرات بين أصحاب المجالين والتحاور اللوني الكتابي، لا على مستوى المنتج فحسب، بل على مستوى المنهج والفكر التأملي والتصوري للصورة الجميلة شعرا وتشكيلا.
(ميدل إيست أون لاين، 10-4-2014)