مجلة «تيتيس»:
شـربـل داغر موضوع الملف
عن "جمعية الثقافة والفنون المتوسطية" صدر مؤخراً عدد مزدوج (التاسع والعاشر) للمجلة السداسية «تيتيس» التي يديرها الدكتور منصور مهني، ويرأس تحرير قسمها العربي الأستاذ عبد العزيز شبيل، الذي أشار من خلال الافتتاحية إلى أن المجلة بهذا العدد العاشر تواصل على نفس النهج مضيفة كل مرة لبنة أخرى إلى صرحها المتوسطي الذي تبنيه بكل ثبات وإصرار، وهي بذلك تسهم في تجسيد حلم أثير لدى كل سكان المتوسط المتمثل في بناء «جسر صغير» يعانق من خلاله بحرنا الأبيض المتوسط ضفتيه، ويحتضن أمواجه المتشابكة بنسائم الاعتدال والتسامح والعقلانية والتفتح والتضامن. العدد المزدوج ورد حافلا بعديد المواضيع الأدبية والفكرية بإمضاء كتاب وشعراء من تونس والمنطقة العربية.
هيئة تحرير المجلة «تيتيس» اختارت أن يكون الشاعر والناقد اللبناني شربل داغر موضوعا لملفها، وهو المسافر دوما بين مدائن الشعر وحدائق النقد وبحار الجماليات اللغوية.
وفي هذا العدد كذلك كتب الدكتور أحمد حيزم دراسة تحت عنوان «من الهوية الجماعية إلى الهوية الفردية» بحث فيها عن أوجه الائتلاف والتمايز والتشابك بين الهوية الجماعية والهوية الفردية، جائلا في ذلك بين الفلسفة واللغة والفن، متوقفا عند جدلية الأنا والآخر وتشابك العلاقة بينهما من خلال الإبداع الأدبي مستنتجا أن الذات لا توجد إلا بالآخر وفيه ومن خلاله.
هيفاء جدة السعفي كتبت عن « قضايا ترجمة الحكائي : ألف ليلة وليلة أنموذجا» وهو مقال ورد ليؤكد على هذا التعانق بين ضفتي المتوسط، لأن «ألف ليلة وليلة» بما تختزنه في رحمها من أجيال ومجتمعات حاكتها واشتركت في صياغتها غدت إرثا إنسانيا مشتركا أسهمت كل الثقافات في خزنه وتدوينه تأليفا وسردا وترجمة وتصرفا حتى غدا هذا الأثر عنوان «الإنساني المشترك» والماضي الجماعي الذي قد يساعد على رسم ملامح الغد المأمول.
ومثلما تعانق الشمال والجنوب في مقال هيفاء السعفي يتعانق المشرق والمغرب في نصين للشاعر أحمد تيناوي من سوريا، الذي أصر من خلال «منزل هالة» الذي زاره «بعد أن أقفل بائع الورد» على اللقاء الموعود والتشبث بأحلام التواصل رغم العزلة والمقابر. الشاعر التونسي نور الدين صمود حبر بألم رسالة حب ووفاء إلى الزعيم الراحل ياسر عرفات، خلد فيها نضاله ونفّس فيها من مكبوت آلامه وآماله بلغته الرشيقة. القصيدة وردت بعنوان « رسالة إلى ص.ب رقم 11 / 11/ 2004»، وأهداها إلى روح محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني الذي عرف طوال حياته باسم أبو عمار ياسر عرفات.
ما تبقى من صفحات المجلة الخاصة بالقسم العربي افرد لملف العدد الذي اهتم كما ذكرنا بالشاعر والناقد شربل داغر «بين سلطة الشعر وخطاب الجماليات»، هذا الشاعر الذي استطاع أن يجسد حلم «الجسر الصغير» الرابط بين ضفتي المتوسط مرات ثلاثا : بنصه الذي يفوح بعبق زهور بيته القروي اللبناني رغم رائحة البارود والذي ورد بعنوان «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وكتبه خلال الاعتداء الإسرائيلي على لبنان في صائفة 2006، ثم بمقالة الناضح بمحبة الآخر عن «المتوسط والتوسط والوساطة»، وأخيرا بنصه الشعري الذي صاغه سالم اللبان لوحة مسرحية - احتل احد مشاهدها غلاف المجلة - استطاع الشاعر شربل داغر أن ينظر من خلالها إلى ذاته بوصفه «الآخر».
وكما استهل هذا الملف بمقال كتبه شاعرنا التونسي ادم فتحي عن شربل داغر واصفا إياه "برجل الترحال والحوار"، ومشيرا إلى متابعة مقالاته الصحفية العربية والفرنسية في بيروت وباريس ولندن في تقديم رجل متعدد يكتب القصيدة بالنثر ويرفض تسميتها قصيدة النثر لان الشكل في نظره «ليس قالبا بل هو رؤية ومشهدية وتشكيل ومعمار». ويتوج الملف بحوار طريف مع الشاعر أجراه شاعرنا التونسي أيضا حافظ محفوظ قطف فيه الشاعران ما طاب لهما من زهور الفن وثمار الإبداع من حدائق الشعر، ليكون هذا الحوار زاخرا بالمعاني الأدبية والتعريفات الشعرية والسردية من منظور الشاعر اللبناني، صاحب التجربة الثرية والمتعددة في مجال الإبداع.
القسم الفرنسي من مجلة «تيتيس» استهله الدكتور منصور مهني بافتتاحية وردت بعنوان «من اجل متوسط مسؤول»، ثم كتبت هادية عبد الكافي عن الجامعة التونسية التي دخلت في الفضاء الأوربي من خلال مقالها «فرصة تحول»، ومها بن عبد العظيم عن:«الفرنكفونية وما قبل الاستعمار»، وأيمن حسن «أرضية الكلمات : سيرون وفزع الأحرف»، ودرة برهومي «الهوس من الزمن الهارب والبحث في زمن متحرك : من خلال كتاب «قوي كالموت» لموباسون» ، ولباحث الجيولوجي منير فنطر كتب عن «البزينة : شهادات اركولوجية لعصر ما قبل الفينيق»، وكتب مجيد الحوسي «رسالة ايطاليا»، والفرنسي رومان لوريول عن «المدينة» متنقلا من خلال مقاله الطريف من باب الجديد إلى باب الجزيرة ثم باب سويقة وباب بنات في رحلة شيقة كتبها بحب كبير للمدينة العتيقة. والشاعر التونسي آدم فتحي كتب أيضا ضمن هذا القسم الفرنسي نصا شعريا حمل عنوان «تمجيد المصائب»، ثم اختتم هذا القسم بمقال عن الملتقى الثاني لأيام التبادل الثقافي المتوسطي التي نظمتها "جمعية الثقافة والفنون المتوسطية" بسوسة والمنستير يومي 16 و17 نوفمبر 2006.
(جريدة "الصحافة" – تونس، تقديم: ناجية السميري، 7-8-2007).