مع علي الديري: الحلية واللوحة والقصيدة تعبيرات تداولية
شربل داغر "أنوات" (جمع أنا) لا تكف عن التحاور والتبادل والتنقل والترحال بقلق معرفي وهجس إبداعي. أنوات تلتقي في ذات واحدة تضطرم بالشعر والنقد والترجمة والجمال والمعرفة. أنوات تنقب عن الجمال والحسن ومعاييرها الثقافية ضمن سياقاتها التاريخية، عبر تركيبة منهجية تزاوج بين مختلف العلوم الإنسانية والنقد والجماليات واللسانيات والأنتروبولوجيا.
يبحث شربل داغر في هذه السياقات عن ما يسميه ب"النسق التداولي" للنص، والنص يتجلى في عدة أشكال: حلية أو لوحة زيتية أو قصيدة أو غيرها من الصنائع الإنسانية، التي يمنحها الإنسان قيمة، من خلال النسق التداولي، وهو نسق يشير إلى ما يتداوله البشر ويتبادلونه من مصنوعات مادية وعقلية بين تذوق واستعمال وحيازة لها.
ينطلق هذا الحوار من كتابه الهام: "مذاهب الحسن: قراءة معجمية- تاريخية للفنون في العربية" ليطل على الإشكاليات المعرفية المتعلقة بمشروع قراءته ل"الفن الإسلامي".
* يبدو من كتابيك: «مذاهب الحسن: قراءة معجمية- تاريخية للفنون في العربية» و«الفن الإسلامي في المصادر العربية: صناعة الزينة والجمال»، أنك تشتغل على مشروع طموح، يهدف إلى إعادة قراءة المفاهيم الجمالية التراثية. هل لك أن تحدثنا عن سيرورة هذا المشروع؟
- يندرج كتابا «مذاهب الحسن...» و«الفن الإسلامي في المصادر العربية...» في مخطط بحثي وكتابي أعمل عليه منذ سنوات بعيدة، ويقوم على إعادة النظر في متن دراسي مكرس، هو ما نسميه بعد الأوروبيين بـ«الفن الإسلامي»، لا لنقده وحسب في مستوياته المختلفة، وإنما لتوسعة النظر إلى ما يعينه هذا المتن وما يغفله في آن في التجربة التاريخية العربية-الإسلامية، أي سبل الذوق والاستحسان فيها، بما فيه التفكر الفلسفي.
فـ«الفن الإسلامي« بات في الدراسات والمعاهد والجامعات، الأجنبية كما العربية، فناً مثبتاً ومشرعاً في آن، ويخفي - على ما أظن وأسعى إلى البرهنة - تاريخيته المخصوصة، أي تاريخ تشكله كمتن دراسي ذي أعراض خاصة تحددُ وتُعين الثقافة التي كونته، أي الثقافة الأوروبية في القرن التاسع عشر تحديداً، قبل تعيينه وتحديده لموضوعه الخصوصي، أي الفنون الإسلامية.
مخططي البحثي والتأليفي ينطلق من ضرورة إعادة النظر، ومن توسعة النظر في آن، في مجال الفن الإسلامي والجماليات العربية القديمة، ويتعين في خطة التأليف الحالية في ثلاثة كتب، هي التالية وفق مسار البحث، لا وفق خطة الإصدار: كان لهذا المخطط أن يظهر في صورته الجلية لو تمكنتُ قبل الكتابين المذكورين أعلاه من إصدار المحطة الأولى في مخططي هذا، وهو الكتاب الذي أعمل عليه منذ سنوات، وقبل هذين الكتابين، وما انتهيت منه بعد، آملاً إعداده وإصداره في السنتين المقبلتين.
* ما الغرض من هذا الكتاب؟
- أدرس في هذا الكتاب تشكل الفن الإسلامي كمتن دراسي في الكتابات الأوروبية، وفي المواد الفرنسية تحديداً، منذ نهاية القرن السادس عشر حتى مطالع القرن العشرين حيث تأكد هذا المتن واستقر في صورته التي بلغتنا وأقرتها الدراسات الحالية. وهو بحث شاق أعود فيه إلى مواد خرجت من التداول منذ قرون، عدا أن كتب الفن الإسلامي المعروفة »ردمت«، هي الأخرى، مثل هذا التاريخ. وتبدو عودتي إلى المواد القديمة هذه، أي الكتب والرسوم التخطيطية والدراسات والمقالات والكراريس وأدلة المعارض وغيرها، مثل جولة آثارية في عهد قديم...
هي عودة لازمة يتكشف فيها أن هذا المتن الدراسي »تاريخاني« في مبناه، أي يتعين وفق الشروط المخصوصة بالثقافة التي بنته، أي الثقافة الأوروبية، قبل معطياته المادية والتاريخية. وهو ما أجمله في أقوال سريعة، هي التالية: تحكمَ بهذا المبنى النسق الآثاري في التحقق من مواد الفن وفي دراسته؛ وأسقط َواضعو هذا المتن الدراسي من الأوروبيين على الفنون هذه، في توثيقهم لها ودراستها وفرزها والتفكر في مسائلها الجمالية، مباني في النظر متأتية من تاريخ الفنون وفلسفاتها في أوروبا؛ وتغافل هؤلاء الدارسون أو لم يولوا نصوصاً عديدة من الثقافة العربية القديمة نصيبها في تفسير وفهم هذه المواد...
* وما هو الكتاب الثاني في الخطة هذه؟
- كتابي الثاني هو «الفن الإسلامي في المصادر العربية...»، وأدرس فيه الفن في إطار مسألة «الصناعة» وفي النطاق الاجتماعي والتاريخي لتشكل فئات الصُّناع، كما أقوم بوقفات نقدية في عدد من المواد الكتابية القديمة واجداً فيها مسارات استدلال لتقويم الفن الإسلامي ولمسائل النظر الجمالي فيه. لهذا السبب وغيره يعود الكتاب سائلاً عن الفن الإسلامي، سواء في إنتاج المجتمعات لأعمالها وصناعاتها، أو في المدلولات التي خصوا بها بعض هذه الأعمال من قيم ومعان واشتراطات. هكذا يتعرف الكتاب على »الفن« في العمل الإنساني، أياً كان، وفي عدد منها تحديداً، على أن المجتمع في تبادلاته واستحساناته (واستقباحاته) ميزها عن غيرها، وجعلها محل ندرة وتنافس وتثمين. وهي عودة نتعرف فيها على أحوال الجماعات الحرفية، في نشأتها وشروط عملها والقيم التي حركتها، متحققين من كونها بلغت درجات عليا من التنظيم، وإن تكتمت في أحيان كثيرة على أسرارها المهنية. كما أتوقف فيه عند بعض المؤلفات القديمة (الجاحظ، التوحيدي، الجرجاني...)، متناولاً المسائل التي استوقفتهم، مثل: الطبيعة والفن، معايير الحسن وشروطه، التقليد والإبداع، العلوي والدنيوي، الله والصانع، البصر (الفيزيائي) والبصيرة (الاعتقادية)، وغيرها من المسائل الثنائية التي تقع في صميم الفكر الفني، وفي العلاقات بين الحسن المتعالي والحسن الأرضي.
ولقد كشفت لي هذه القراءة المتعددة الأوجه لزوم النظر في اتجاهات وميادين أخرى، بعيدة عن المواد الأليفة لدراسة الفن الإسلامي، وهو ما أجملته في الكتاب الثالث وفق خطتي، وهو «مذاهب الحسن... »: هذا الكتاب ينطلق من اللغة العربية محفوظة في «كتاب العين» (الموضوع في القرن الهجري الثاني) لكي يتحدث عن الوجود العربي الإنساني والمادي، في مصنوعاته واستحساناته، كما درجت في التبادل الكلامي والكتابي. وهو مسعى في الدرس والنظر لا يتوقف عند المتن المخصص، قديماً أو حديثاً، للفن الإسلامي بل قبله وبعده، أي في نطاق التبادل في الجماعة، في اقتنائها وتنافسها، وفي سبل وسلوكات ذوقها، وعملها على صياغة أسس للتمايز الاجتماعي أو الاعتقادي عبر مصنوعات وسلوكات، تقع في حياة البشر وسكنهم وزيهم وتفننهم وغيرها.
* أيعني هذا اكتمال المخطط البحثي؟
- لا، فالمخطط الدراسي مفتوح، ويعني هذا في حسابي أن ميدان الفن الإسلامي وما يسبقه ويتعداه في نطاق الذوق والفن عموماً، قابل لدراسات وتآليف متعددة أخرى، مني أو من غيري، لسببين على الأقل: السبب الأول هو أن إعادة النظر وتوسعته هذه كشفت مجالات جديدة غير مستثمرة بعد للبحث والكتابة، عدا أنها تستوجب كذلك قراءات نقدية لطرق في البحث أو التفسير، سارية أو مقرة. أما السبب الثاني، فان دراساتي هذه كشفت تباينات بين تعامل الجماعات والأفراد والمذاهب الاعتقادية أحياناً مع مواد الفن وسلوكات الذوق وبين الخطابات النقدية أو الفلسفية وغيرها عنها، كما كشفت تباينات بين ترتيب الفنون القديم وبين ترتيبه الحالي الساري. ويمكننا أن نتحدث كذلك عن تباينات أخرى، هي محل درس ونقاش إذ تضع مسألة الجمال قيد التفكير، في حاضرنا قبل ماضينا. وهو ما أسعى إليه، في نطاق آخر، وهو اشتغالي في تأريخ الفنون الحديثة في العالم العربي، وفي التفكير في مسائلها.
* هل لك أن تعرفنا بالمنعطفات التي شكلت سيرتك العلمية، في تقاطعاتها مع سيرتك الذاتية؟
- قد يبدو للبعض ان وضع كتاب مثل «مذاهب الحسن...»، أو «الفن الإسلامي في المصادر العربية...»، أو غيره من كتبي، اشتغال في الماضي المحض، فيما هو ينطلق من أسئلة الحداثة، ويعمل في نطاق رهاناتها كذلك. بل يمكن نسبة هذا العمل إلى نقد المثاقفة، حيث أنه يعيد النظر في حاضر الكتابة العربية (والأجنبية) عن الفنون وسبل الذوق في الحياة العربية. وهو نقد يطاول وجهاً من أوجه ثقافة النهضة المستمرة حتى أيامنا هذه، وهي ثقافة لم تقر وحسب بنظام المعارف والفنون والعلوم ذي الأساس الأوروبي، بل عملت كذلك على «استدخال» مترتبات الجدولة والتبويب (والتفسير أحياناً) التي خص بها هذا النظام ثقافة العرب (والمسلمين) الماضية.
* ما تقصد بـ«الاستدخال» هذا؟
- يكفي للدلالة الوقوف عند لفظين-عمادين في الثقافة العربية المعاصرة: فلفظ «الأدب» يعني حالياً إنتاجات اللغة، ولا سيما الشعر والنثر وغيرها، فيما كان يعني قبل القرن الماضي التربية والتعليم فقط. هذا ما يمكن قوله عن لفظ «الفن» أيضاً إذ عنى الغصن والفرع من الشيء أو من العلم أو من الكتاب، قبل أن يعني في الثقافة العربية الراهنة النتاجات البصرية المستحسنة (الجميلة) تحديداً.
* لنعد إلى السؤال السابق عن علاقة الكتابة بالسيرة.
- الكتابة، أياً كانت - وهو ما توصلت إليه بعد طول عراك - اختبار في المجهول، على أنه في البحوث ينطلق مما هو معروف، وفي الشعر مما يبدو أقل وضوحاً. كان بيكاسو يقول: «أنا لا أبحث، بل أجد»، بمعنى أنه لا يصرف الجهد طلباً لكنز مفقود، أو وديعة كامنة، لا يلبث أن يعثر عليها بعد طول تنقيب وتعب، وإنما هو العمل، المستمر والمتمادي، مثل أي صانع، على أنه يتوصل فيه إلى ما يقنعه، إلى ما يقر به، واجداً فيه لقياه - أخيراً -، أشبه بمسافرَين - كما قلت في قصيدة - يتعرفان على بعضهما البعض في نهاية الرحلة المشتركة.
كان لي، بعد دراستي في بيروت، أن أتعلم الوقوف في الصف في باريس: هذا في الخط الطويل للفوز ببطاقة الإقامة، أو في مقاعد الجلوس - وهي غالباً في الممشى - في أروقة «السوربون» لكي أتعلم دروسي الأولى. وجدتني كما لو أنني أدخل المدرسة هذه المرة، أتعلم حروف الهجاء مرة ثانية.
وجدتني أدرس العلوم من جديد، حتى أنني بنيت ثقافتي فيها، لا مثلما حصلتها على عجل، بعسر هضم في بيروت، في أيام شغلتنا فيها عن الدرس شواغل الحياة والسياسة، ولكن بخفة ما تنبهنا إليها إلا بعد وقت - خفة المباني التي أدت إلى الحرب وأشعلت وقودها كذلك. باشرت الكتابة قبل الحرب، إلا أن خسارتنا في الحرب - وهي خسارتنا جميعاً، مع فروقات في المسؤولية ليس إلا - هي التي قادتني في مسارين متعاكسين: الخفة في الحياة، أي العيش الوجداني الحر، من جهة، والتشدد الأكاديمي، من جهة ثانية، الذي تحول، بعد دراسة الأصول والوقوف على تكوينات العلوم، إلى مسار نقدي في التفكير والبحث والتأليف.
* ما تعني في قولك عن «الخفة» في الشعر؟
- الخفة في الحياة، وفي الشعر بالتالي، بعد أن تيقنت من أن حداثة الشعر انتهت إلى أن تكون منقطعة عن العيش، عن الوجدان، عن التجربة، وهو ما قال به يوسف الخال في أول بيان عن الشعر الحديث، في بيروت في العام 1956 . هكذا ابتعدت عن المشاهد العريضة، والقصائد العصماء، وسعيت إلى التقاط »لحظات« على أنها أكوان لا نحسن الوقوف عليها، ولا ننتبه إليها إلا بعد وقت، على أنها كانت من دون أن نستقصيها. وهو سعي في الشعر يتوخى قول الإنسان في تردده، في تعثره، في انشطاره إلى »أنوات«، في كونه الداخلي المحمول على غير وجه وقول.
ليس لي، أنا على الأقل، أن أجري مقارنة أو مقابلة بين ما كتبته شعراً وما كتبته بحثاً، وأنا - رغم كتبي التي فاقت الثلاثة عشر كتاباً بالعربية والفرنسية - لا أزال في طور السعي الذي لم يكتمل، رغم أنني أتبين مسار البحث ومؤدياته. وهو مسار يقودني، انطلاقاً من ثقافة القرن التاسع عشر وتكويناته في وجودنا كما في ثقافتنا، إلى نقد أصولها الحديثة، أي الأسباب الناشبة في دخولنا في طور آخر، بعد أربعة عشر قرناً على النسق الإسلامي، هو طور الحداثة، ولكن من دون أن نكون حديثين. كيف يحدث أننا، في الثقافة، نتشبه بغيرنا، ولا نشارك غيرنا في إنتاج الحداثة بتعبيراتها المتنوعة والمتعددة؟
هكذا عدت، سواء في ميدان الأدبيات أو الجماليات، إلى الوقوف على الدروب القديمة، وإلى تجريب غيرها، وهو ما تمثل في مسعى التاريخانية، الذي أجهد فيه لتأكيد حركة مزدوجة: نقد الثقافة المحصلة منذ القرن التاسع عشر، وتجديد إسهامنا المخصوص في الحداثة. وهو ما تأكد في نظري إلى العلاقات بين العلوم والمعارف والفنون، وهو نظر يرى إلى هذه المتون على أنها نتاج تاريخي مقيد بشروط إنتاجه، عدا أن تصنيفات العلوم والفنون وترتيباتها متعينة تاريخياً، هي الأخرى، وخاضعة للتغير بدورها: هكذا رحت أبحث عن الفنان في الصانع أياً كان، وعن الفنون التشكيلية في الصنع المادي أياً كان، وعن علم الجمال في أي استحسان يجريه الإنسان على أي عمل يقوم به أو منظر يتذوقه...
لهذا أستسيغ العودة إلى كتابات عصر النهضة، من دون أن أتقيد بها، في ما فعلته ورسمته، ذلك أنني أجد أنها ما تنبهت كفاية إلى هذا التمدن الوافد، الذي أدى إلى احتلالنا بعد فتح المدارس العصرية لنا، وإلى استلحاقنا، لا إلى فتح مدركات عقولنا وحسب. وهو ما يدعوني إلى التشدد في مسعيين وموقفين: التفطن والتيقظ والنقد لحاصل المعرفة الأوروبي أكثر مما قام عليه عمل الأسلاف، والتمكن الأشد من أسباب ثقافتنا ووجودنا المخصوص.
أبخس هذا المسار حقه في مثل هذه الأقوال، إذ أعرض الأمور كما لو أنني انتقلت بيسر من محطة إلى أخرى، من قناعة إلى أخرى، أشبه بمسار وعي، مثل من يفكر في مسألة ويجد في كل مرة حلاً مناسباً لها، وهو ما لا يحصل في الأمور الاعتيادية، فكيف في أمور تستجمع مدركات الذهن والوجدان، والتجارب والقراءات في آن. فقد يبدو الوقوف في الصف لشراء جريدة أصعب منالاً من اصطفاف جملة، وإن كان الانصياع مختلفاً.
أبخس هذا المسار حقه طالما أنني لست بمنزلة في القول أسمح لنفسي فيها أن أقول ما أجعله معنى لحياتي، أو تعبيراً عنها، ذلك أنني ما توانيت عن التعلم، كما في بحر، تحيط بي المياه تماماً، فلا أرى نفاذاً أو مسار خروج غير المكابدة والعمل والتجذيف المستمر، على أن الطريق - أخيراً ! - هو نهاية المشقة وراحة الوصول ليس إلا.
* إنك تشتغل الآن في النقد التشكيلي والإبداع الشعري والترجمة والبحوث التاريخية، التي تقارب من خلالها موضوعات متصلة بعلوم مختلفة. كيف يتسنى لك الدخول على هذه التشعبات؟
- السؤال عن المنهج صعب في أي نطاق دراسي في هذه الأيام المبلبلة في غير مجال، فكيف في عدد مجتمع من النطاقات، مثلما هي حالي! وهو أصعب الأسئلة من دون شك، طالما أننا لا ننتج مناهجنا بقدر ما نقتدي بما سبقنا، سواء في العهد الإسلامي القديم أو في عهد الحداثة. ولكن يعنيني، قبل الإجابة عن هذا السؤال، أن أعرض لعدد من الأفكار الأولية الممهدة لجوابي.
ساور بعض باحثينا الاعتقاد بأن مآلنا مطابق تماماً لمسار الحداثة في أوروبا، عاجلاً أو آجلاً، وأنه مسار منطلق صوب حداثة تصاعدية الإيقاع والتطلع، ولم يبق علينا - والحالة هذه - سوى الأخذ بالمناهج الغربية واختبارها في أحوالنا وفق هذا المنظور. إلا أنه تعتور هذا المنظور معايب عديدة، منها أنه ينزه مناهجه وعلومه عن تاريخيتها المقيدة لها، أو ينزعها عنها، محققاً الالتباس بين محليتها وبين كونيتها، بين قدرتها على التعيين الوصفي في بيئاتها وبين كونها وصفة صالحة لكل زمان ومكان. ذلك أنه قد ثبت بأن مسار الحداثة ليس مسار تقدم متصاعد، بل هو مرشح للتراجع والنكوص وغيرها. ومن معايب هذا المنظور أيضاً هو أنه يقيم خطاً فاصلاً بين عهد القدامة (وهو القرون الوسطى) وعهد الحداثة، جاعلاً من تاريخه تاريخ البشرية بالتالي، عدا أنه في قسمته هذه يغيب تحققات أو إنجازات في عهد القدامة، وفي تاريخه هو قبل تاريخ غيره، كما انه ينكر تراجعات في عهد الحداثة الذي لا يعود »ظافراً« في هذه الحال.
أسوق مثالاً واحداً عما أقول مستقى من دراستي: أتحقق في كتاب «الفن الإسلامي في المصادر العربية...» من تشكل فئة من «الظرفاء» في العهد العباسي، تعود إلى غير فئة اجتماعية، فمنها الأمير والفقيه والشاعر والجارية وغيرهم، أي أنها تتشكل وفق خيارات وسلوكات ذوقية وجمالية تتمايز بها عن غيرها من الفئات والطبقات في المجتمع العباسي. يشير تشكل هؤلاء »الظرفاء« إلى حراكية ما، إلى تنام في الحساسية الجمالية، وإلى تدبيرات فنية في الصنع والتأنق وغيرها، تسبق بكثير تشكلات مماثلة في تاريخ أوروبا، على سبيل المثال، عدا أن بيئاتنا ما لبثت أن تراجعت في مسائل ظرفها، وما عرفت بالتالي مثل هذه الفئة المتميزة. لهذا أقول إن علينا، في مناهج النظر، الابتعاد عن المنظور التاريخي التصاعدي، والتعويل على وقفات ومحطات وتحققات من دون حكم معياري على وجهتها.
* أيعني هذا الانقطاع عن مناهج الغرب؟
- لا يوجد تاريخ منسق ومتتابع للحداثة، وليس علينا بالتالي الاصطفاف بالدور واتباع إشارات السائق الحضاري. وهذا يعني، في حسابي، علاقة نقدية ومركبة في آن بالثقافة الغربية: لنا أن نتعاطى معها، لا أن ننغلق عنها ونكتفي بمواقف معادية في صورة لا تعدو كونها في أحسن الأحوال نقداً سياسياً أو أخلاقياً، لا أكثر، أي أنها لا تطاول بأية حال مباني سيطرة هذه الثقافة على غيرها. فضلاً عن أن الانتقادات هذه لا تنتج ثقافة، ولا منهجاً، بل سلوكيات وأخلاقيات في أحسن الأحوال.
وهذا يصح في بناء منظومة العلوم والمعارف، إذ أنني أميل إلى بناء نظري مركب ومتعدد الاتجاهات، إلى قراءات تأخذ في عين الاعتبار أن حدود العلوم والمناهج حدود اصطلاحية، لا واقعية ولا تاريخية في آن. أي أنها مما يفرضه منطق النظر والدرس، إذ يفصل ما هو متصل، ويغض النظر عن مسائل أو ظواهر تقيداً بالحدود المنهجية هذه. وهو ما أعايشه في وجداني، في نزوعاتي، التي تبدو متناقضة، وأقصرها (وأقسرها كذلك) على هذا الفعل أو ذاك، من دون أن أستعيد دوماً حريتي التامة، أو انسياقي الحر وفق تطورات الموضوع أو الميدان.
* إلا أننا لم نتبين بعد في صورة جلية كيفية نظرك إلى المنهج، وإلى تعدد مقارباتك في الكتاب الواحد.
- لا يعني كلامي السابق أنني أطمح، وفق تصور مثالي أو طبيعي، إلى تفسير »كلي«، وإنما يعني التعويل على نسق في النظر أدرجه في نقد ترتيبات العلوم وفق أسس معيارية (كما في القرن التاسع عشر) أو وفق حداثية بنيوية (كما في النصف الثاني من القرن العشرين). وهو ما سأعرض له في حديثي عن النص: والنص قد يكون حلية أو لوحة زيتية أو قصيدة وغيرها من الصنائع الإنسانية التي يمحضها الإنسان قيمة تتعدى حسابها المادي، وهو ما يجتمع عندي في الحديث عن النسق التداولي. وهو نسق يشير إلى أن البشر يتداولون ويتبادلون عدداً من المصنوعات، المادية أو العقلية، بين تذوق أو استعمال أو حيازة لها، ويبلغ الأمر التداولي أحياناً حدود التنافس على اقتنائها والتمايز بها.
وهذا التعيين للنص (أو الحلية، أو اللوحة...) يندرج في ثلاثة مبان، هي التالية:
- القراءة النصية : في أن النص يتمتع بأنظمة في »ضم« عناصره بعضها إلى بعض، ما يساعدنا على تدبير نسق في القراءة، وهذا يعني النص مفرداً، وفي »ذاته«؛
- القراءة التناصية (والجمالية) : في أن للنص تاريخاً مخصوصاً في البناء، أو التنصنص (إذا جاز القول)، سواء في بنيته التأليفية، بين تقليدية وحديثة، أو في هيئته المظهرية، ما يوضح بنيته التناصية، اللازمة والطوعية: هذا يعني النص في علاقاته بغيره من نصوص وخيارات أسلوبية وجمالية؛
- القراءة الأناسية : في أنه أثر تبادلي، تخاطبي في مقاصده، ما يساعدنا على تدبير أسباب قراءة أناسية (أنتروبولوجية) ثقافية له، ويعين بنيته الاستعمالية، وهذا يصح في مبناه التحاوري، أو في مبناه التقليدي (المستبقى، أو المطلوب) أو الحديث (العقد الطوعي، أو انعدامه): هذا يعني النص في اندراجه في تاريخه الاجتماعي-الاستعمالي.
* النص، في هذه الحالة، يصبح موضوعاً لمقاربات متتعدة: هل تلغي بذلك الحدود أم تكرسها، سواء في النص الواحد أم بين النصوص والأجناس؟
- الحديث عن النص هو حديث أساساً عن الحدود: هذا ما قال به النقد الأدبي التقليدي في كلامه عن الأجناس الأدبية (والأغراض الشعرية كذلك في النقد العربي القديم)، وهذا ما توقف عنده بعض النقد الحديث، كما في دراسات جيرار جينيت الذي جدد النقاش مثلما وسعه كذلك حول ما أسماه بـ«عتبات» النص. وهي تعيينات، سواء القديمة أو الجديدة، تشير إلى ما نسميه بـ«حدود» النص، أي ما يشير إلى أسواره إذا جاز القول، وإلى بناه ومستوياته، وإلى أمور أخرى داخلة في تكوينه بالتالي.
غير أن الحدود قليلها طبيعي وكثيرها اصطناعي، مفروض، حتى لا نتحدث عن إلزامها العنفي أينما كان: ما يعني أنك خارج الحدود أو داخلها؟ كيف يحدث أنك تتوقف حيث بإمكانك أن تتقدم؟ ما موجبات التوقف إزاء مشهيات التقدم؟ وإذا كانت الحدود، في بعض الأحوال، تعبيراً راقياً عن ضوابط لاجمة لما هو موضوع نزاع وعنف، فإن الحدود تبقى تثبيتاً لما لا يناسب الحال الإنسانية، في حركتها التلقائية، في نزوعها الرغبوي، في طلبها التمدد والانتشار، خاصة وأن الإنسان انتهى إلى أن يكون ذا يدين وقدمين تسعيان، بل تتقدمانه مثل ذواته الكثيرة الناشبة في الوجود أطماعها وشهواتها.
ان مفاعيل الحدود، أينما تحققنا من وجودها، تجانب ما هو في طبيعة التجارب الإنسانية، على اختلافاتها، إذ أنها تصدر عن فوضى، أو عن تشابكات، فيما تسعى الأجناس والأنواع إلى التنميط، إلى الإخراج، إلى الإظهار، وهي صياغات مختلفة لمسعى تثبيتي واحد. وإذا كان لنا أن نكشف عن شيء من طبيعة هذه العملية التحويلية التي تنتهي بوضع حدود لما هو في أساسه متفلت وغريزي ومتحرك، فإن عمليات الترجمة كاشفة تماماً عن ذلك.
* كيف تفسر، والحالة هذه، صلاتك الأكيدة والمتمادية مع الترجمة؟
- اختياراتي في الترجمة تعود إلى شواغل أدبية، إلى طلب مشاركة في نصوص أشتهيها، فأتملكها، إذا جاز القول، بفعل الترجمة: هذا ما يفسر ترجماتي لرامبو في كتابي «العابر الهائل بنعال من ريح»، أو «أنطولوحيا الشعر الزنجي-الإفريقي»، أو إعدادي في السنتين المنصرمتين لكتاب من المختارات للشاعرة إندريه شديد وآخر للشاعر راينر-ماريا ريلكه.
إلا أن ممارستي الترجمة قادتني إلى اختبارات واسعة ومتمادية كشفت لي الكثير مما يخفى أحياناً في غفلة الكتابة، أو في الأفكار النقدية عنها. فقد أفادتني ممارستي الترجمة في التعرف المقرب على هوية النص عموماً، ومكنتني من كشف خرافة الحديث عن الماهية والأصل: ما هو الأصل يعني أيضاً: ما هو النص؟ ذلك أن النص ليس تجسيداً لماهية أو إعلاناً لأصل، وإنما هو مدونات مختلفة لها مقادير متباينة من الوجود، بين التحقق والتشهي، بين الحصول والتوهم، وبين المعاينة والرغبة.
فالترجمة تقول في حاصلها إننا يمكن أن نكتب الشيء عينه، أو القريب منه، في صورة مغايرة، مختلفة، في كل مرة، عما هو عليه الأصل. بل تقول لنا الترجمة كذلك إنه لا وجود لأصل، بل لتوليف هو في نهايته تثبيت وتشريع لما كان في منطلقه أو في عملياته مجموعة من الاحتمالات، التي لا يقل فيها الواحد »أصالة«، أي صدوراً عن ذات كاتبة، عن الآخر. تنطلق الترجمة من نص على أنه الذي نبدأ منه، أو انه نقطة وصول أو تحقق، وأنه قابل في نهاية المطاف لتحققات أخرى، هي بعض ما يستبينه المترجم في أحوال الترجمة، إذ يستعيد أحياناً بعض ما عرض للكاتب الأصيل، إذا جاز القول، من أحوال وصياغات وما تدبر من حلول تخفي ولا تخفي ما رتقه أو تدبره.
لهذا أستحسن الحديث عن عملية التوسط، لا النقل، في الترجمة لأنها ترسم واقع العمليات الممكنة بين النصوص، من جهة، وفي النص نفسه، من جهة ثانية. وهو ما تظهره عملية الترجمة، إذ أنها تقوم على وهم التطابق والتكافوء بين نصين، بين نص معطى ونص للإتيان، طالما أننا ننتج دوماً (في ترجمة القصائد تحديداً) نصاً مختلفاً دوماً مهما كانت درجة الأمانة والتطلب. فنحن حين نترجم نضع نصاً، وإن ينطلق من حاصل نصي (وهو اللفظ الذي أفضله على لفظ النص-الأصل، أو النص الأصيل).
* «الحُسْن»، كما تقول دراستك من أقوى الألفاظ حضوراً، ويقع صفة محمولة في كل شيء، في النظر الطبيعي، وفي الهيئة البشرية، وفي الصنيع الإنساني.
هل توفرت هذه اللفظة على صياغة فلسفية، تجعل منها مفهوماً يتميز عن بقية مفردات الجمال؟
- الألفاظ تخبر مثل المواد، بوصفها حافظة، لا للمعاني والدلالات وحسب، وإنما كذلك للتغيرات الحادثة في التبادلات والتعيينات الكلامية في الجماعة اللسانية الواحدة. هذا يعني أن مساءلة اللغة عن حمولاتها - وهي في أساس بناء »مذاهب الحسن« - تأريخ مخصوص عن إنتاجات المجتمع، في جيدها ورديئها، وعن الصفات التي يلحقها بهذه أو يحجبها عن تلك.
كانت العودة إلى اللغة لازمة، إن صح التعبير، إذ أن متبقيات الفنون وكتابات التاريخ لم تحفظ لنا دوماً ما يكفي لدراستها. وهذا ما يمكن قوله كذلك عن »تصنيف« الفنون، أو عن ترتيبها في منظومة، إذ لم نعرف ما عرفه الدارسون الأوروبيون، في تمييزاتهم القديمة بين فنون حرة وأخرى يدوية، وبين فنون عظمى وأخرى دنيا، ثم الحديث في الأزمنة المعاصرة عن فنون جميلة، ثم تشكيلية، وعن الفن السابع (أي السينما) الذي أُلحق بالفنون هذه.
والعودة إلى متون الكتب والتصنيفات القديمة (كما تحققت من ذلك أيضاً في «الفن الإسلامي في المصادر العربية... »)، لم تنعم علينا بنظام خصوصي للفنون، ولا بمذاهب الحسن، أو تقويمات الجمال ومعاييره وقيمه: قد نقع على اجتماع الموسيقى بالهندسة، أو الخط بالتزويق، إلا أن هذه الاجتماعات لم تبلور نظاماً مخصوصاً ضمن الثقافة العربية-الإسلامية القديمة، من دون أن يعني هذا أن الأفراد ما كانوا يجتمعون على استحسان (أو استقباح) هذا الصنيع، أو هذا السلوك، أو تلك الصفة... ذلك أن انشغالات الفكر - ومنها الانشغال بالحسن، في معاييره وقيمه - قد تعنى بأمور دون أمور، وأن ما تعنى به قد لا يوافق اهتمامات الجماعة بالضرورة.
فالمفكرون الإسلاميون القدامى توقفوا طويلاً عند الموسيقى، إلا أنها ما عنت في حسابهم في غالب الأحيان أشغال جميلة المغنية أو عطرد العازف أو زرياب الموسيقي وغيرهم الكثيرين، بل توافقات النجوم والكواكب في حركات الكون. وهذا ما يمكن قوله في الهندسة أيضاً، إذ عنت غالباً حركة الأفلاك، وبناء الاسطقسات والعناصر والهيولى والصورة وغيرها.
واللافت في أمر الحسن في انشغالات الفكر، فقهاً وكلاماً وفلسفة، هو أن الكاتبين انصرفوا إلى دراسة العلويات، ومنها الروحانيات والإلهيات، وإلى تصعيدها، على حساب الدنيويات، بما فيها المصنوعات والإنتاجات البشرية على اختلافها. وهو نهج في السعي الفكري، نتحقق منه منذ أمبيدوكل (القرن الرابع قبل المسيح) في الفكر الإغريقي، وأدى إلى تمييز الأرضي عن العلوي، بل إلى جعل العالم الأصيل والحقيقي في «عالم المثل» (مثلما قال أفلاطون) على أن صور العالم الأرضي «متدهورة» عنه. وهو سعي في الفكر بلغ مع الفكر المسيحي، ولا سيما في نسقه البيزنطي، حدوداً توسطية بين العالمين، إذ جرى التعامل مع الأيقونة بوصفها من طبيعتين، إلهية وإنسانية في آن، وهو ما انتهى مع السعي الإسلامي إلى فصل تام بين العالمين، وإلى جعل الحسن ممكناً في صفات الله وحسب.
* رغم ما يتوافر في المعجم من مدونات لغوية تعبر عن حس جمالي وإدراك فني للوجود، إلا انها لا تتوفر على اشتغال نقدي أو فلسفي يرجعها إلى سياق المعرفة المشبدة بالنظر الذي يجعل علماُ قريباً مما عرف في ألمانيا بعلم الجمال. ما الاسباب التي حالت دون ذلك؟
- هذا ما واجهه الدارسون الأوروبيون عند تصنيف الفنون الإسلامية، إذ لم يجدوا في المتون ما يعين هذا النظام، أو يكفله، وغفلوا بالمقابل عما تحدث عنه «إخوان الصفاء» في الرسائل عن «صناعة الزينة والجمال». إلى هذا، فإن قراءاتهم لهذه المتون اتسمت بتسرع ما أتاح لهم الوقوف على التباين بين انشغالات الفكر وسلوكات الذوق في هذه الجماعات. وهو ما يمكن تسميته بـ«تاريخية المعرفة»، إذ أنها تتباين أحياناً بين ثقافة المختصين ومعتقدات الجماعات، كما تختلف المعرفة كذلك بين عهد وآخر ضمن الثقافة الواحدة.
هكذا أجرى الدارسون الأوروبيون على الفنون القديمة تصنيفات وترتيبات، غير مستندة إلى أي أساس في الثقافة والصناعات المحلية، فما استندوا، لا إلى علوم القدامى وتصنيفاتهم، ولا إلى سلوكات الجماعات وأذواقها، ولا إلى نظام جمعي بين الأساسين هذين. بل أجروا على هذه الفنون جداول استقوها من ثقافتهم المخصوصة، فخصوا العمارة والخط والصورة بفنون، وهي كانت على هذه الصورة في ثقافتهم، وصنفوا الفنون الأخرى وفق أسس الجنس أو الصنف (فن المعادن، الحلي...).
* إن دخولك على موضوعك جاء عن طريق العلوم اللغوية التي قدمت بمنهجيتها الحديثة المرتكزة على اللغة ادوات وطرقاً في مقاربة العلوم الإنسانية لموضوعاتها. إلى أي حد يمكن أن يستفيد النقد التشكيلي الحديث من هذه المداخل؟
- في ندوة جرت في المتحف الأردني لمناقشة كتابي «مذاهب الحسن... » دعاني غير مشارك فيها، مثل الأميرة الدكتورة وجدان بن علي، رئيسة الجمعية الملكية للفنون الجميلة، والأستاذ إبراهيم شبوح، أمين عام المجمع الملكي للحضارة الإسلامية، والدكتور مازن عصفور والفنان الناقد محمد العامري، إلى الاستفادة من عملي على اللغة القديمة، ومن إعادة عرضها على التداول من جديد، وإلى استثمار هذه اللغة في جداولها في تنشيط قدرات لغة النقد التشكيلي: هذا أمر حصل جزء منه، في كتاباتي على الأقل، إذ أعدت عرض عدد من الألفاظ والصيغ العربية القديمة للتداول من جديد. وأسوق في هذا المجال مثلاً كافياً في التعبير عن مقصدي: درجت الكتابة العربية على استعمال لفظ «المنمنمة» للدلالة على إنتاج تصويري إسلامي قديم مصاحب للكتاب، إثر اقتراح قدمه الراحل بشر فارس للمجمع العلمي في القاهرة، في الخمسينات، فيما وجدت أن لفظ «التزويق»، و«مزوقات الكتب» هي اللفظ الأنسب، والمستعمل في كتابات قديمة، مثل كتاب «كليلة ودمنة» الذي عرف مثل هذه الصور المصاحبة للكتاب.
الأمر يحتاج إلى مجهودات عديدة تتعداني في نهاية المطاف، إذ تشترط مساهمات العديدين، من علماء لغة ومعجميين وعلماء جمال وغيرهم. وهو أمر كانت دعت إلى مناقشته ندوة علمية في القاهرة شاركتُ فيها، إلا أن أخبارها ما لبثت أن انقطعت ...
إلى هذا الشق الاصطلاحي، يحسن بنا الانتباه إلى مسألة أخرى، شديدة التعقيد، وهي أن التفكير بالحسن القديم لا يغيب عن بالي انقطاعنا عن درس الحسن الحديث، أو الحالي في مجتمعاتنا، ولا يقتصر الأمر بالتالي على النطاق التشكيلي فقط.
* ها أنت قد طرحت السؤال بنفسك: فماذا تقول؟
- تزداد في صورة مطردة المقاربات التشكيلية العربية في الصحف والمجلات العامة أو الاختصاصية، على الرغم من ركاكة بعضها وضعف عدته. ويتأتى هذا الاهتمام من تزايد مكانة الفنون الحديثة في مجتمعاتنا من دون شك، وهو تزايد نتحقق منه حتى في بيوت محدودي الدخل، إذ نجد بعض إنتاجات الفنون الحديثة يحتل مساحات فوق جدران البيوت الداخلية. ونتأكد من المكانة هذه في تزايد عدد المقتنين للأعمال الفنية في غير بلد عربي، حتى أن بعضهم لا يتأخر عن الدخول في حلبة التنافس مع المقتنين في العالم في صالات «درووه» و«سوزبيز» وغيرها.
غير أن هذه المكانة لا تغيب عن بالنا أنماط الذوق الطاغية في بيئاتنا، والتي تبدو فيها الفنون الحديثة ناشئة وطرية العود، إذا ما قيست بالأموال والثروات الطائلة التي تصرف لشراء سيارات أو قصور متعددة وغيرها من المقتنيات التي تظهر صوراً طبيعية للغنى، لا صوراً رمزية، مثل اقتناء اللوحة أو غيرها من علامات الغنى الخفية. وهذا يعني أن صورة الغنى لا تزال تنتسب إلى تصورات تقليدية.
* المجاميع الدلالية الفنية التي استخلصتها من معجم العين تتوزع بين: الشعر والشارة والدمية والكتابة والغناء والدار. ألا ترى أن الجسد الذي أغفلته هذه المجاميع يمثل ميداناً جمالياً خاصاً بأن يكون وحدة مستقلة ضمن هذه المجاميع؟
- يمكننا القول إن النظام السداسي الذي ينتهي إليه كتاب «مذاهب الحسن...» - أي الحديث عن ستة مجاميع، هي: الدارة (العمارة)، الشارة (اللباس والهيئة الحسنة)، الصوت (الغناء)، الشعر، الكتابة والدمية (التصوير والتمثيل) - قديم ومستحدث في آن. أي أنه نظام يستند إلى ما كانت تقره شواغل الفكر في أعمالها، وإلى تقويمات مبثوثة في الجماعة وسلوكاتها، كما تتبدى لنا في مطالعات ومعاينات تاريخية واجتماعية لسلوكات الذوق في البيئات العربية -الإسلامية.
وهو مقترح يبتعد عما اختطه دارسو الفنون القديمة من الأوروبيين والغربيين، إذ أنهم وضعوا جانباً المتون المحيطة والمفسرة لهذه الفنون، وتعاملوا معها على أنها أشبه بالآثار القديمة، بل باللقى، أي متبقيات وحسب من دون الثقافة والتفسيرات التي لها أن تعينها وتفسرها في آن. هذا في الوقت الذي كانت فيه هذه الفنون موجودة ومستمرة ومتطورة (ولا سيما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) في عدد كبير من البيئات العربية والإسلامية، عدا أنهم تجاهلوا نصوص الثقافة العربية-الإسلامية التي تحددت بها هذه الفنون وتعينت فيها.
لهذا تكون قراءة الماضي برفقة مواده، المادية أو الكتابية، ورغماً عنه في بعض الأحيان. إذ أن المتون ما حفظت دوماً من المواد والكلام ما يكفل القيام بتفسيرها، أو ما يدعم توثيق هذا الإنتاج أو ذاك. ذلك أن المتون انشغلت بأمور دون أمور، وأعلت من شؤون وحطت من شؤون، عدا أنها ألزمت كتابتها بقيود عامة أو خاصة، مفروضة أو معتمدة، ما يشكل سدوداً دون بلوغ معرفة وافية ومتوازنة عن شواغل الجماعات والأفراد في العهود المدروسة. وهذا يعني أن قراءة الماضي يمكن، في بعض الأحوال، أن تتحول إلى قراءة مضادة له، أو محولة أو معدلة لعدد من تقديراته وأخباره. وهذا ما نراه في عدد من كتب الأخبار التي تمدنا بمعلومات عن الماضي رغماً عنه، إذا جاز القول، إذ تورد أخباراً مقتضبة أو تتطلب تفسيرات تظهر معانيها الخافية أو المستترة، والتي لها أن تعيننا على النظر المجدد والمختلف لهذا الماضي، أو لكيفيات تبويبه وعرضه من قبل القدامى.
أما عن الجسد، فأنا لم أغفله، إذ أن المجموع الدلالي الموسوم بـ«الشارة» يشير إلى سلوكات الذوق، في تحسين الهيئة البشرية، في ظاهرها الجسماني، وفي زيها وغيره، ما يندرج تحت تسمية «الجسد الثاني»، سواء عند الرجل أو المرأة.
* يبدو الفنان التشكيلي العربي مهووساً تحت تاثير الآخر بالتعبير عن ذاته وفرادته وذلك بتجريب الغريب واختراق المألوف، إلا أنه لا يتوفر على معرفة تبصره بالصيغة المتشكل فيها، أي الصيغة التي تجعل منه كائناً تشكيلياً. هل ترى أن مشروعك في وجه من وجوهه تفكيك لهذه الصيغة يالحفر في أعمتقها وأنساقها؟
- يروقني في السؤال حديثك عن كائن تشكيلي، إذ أن فنانينا يغفلون عن كونهم كائنات في المقام الأول، ويعتقدون أن الأمر يقوم على اتباع خط أو رسم أو طريقة في الصنع، من دون معاناة أو مكابدة أو تجريب أو اختبار، أشبه بالسلع الجاهزة. بينما أجد، سواء في تجربتي الشعرية، أو من خلال مطالعاتي في سير الفنانين، أو عند التحقق من مصادر إبداعهم، أن العلاقات خفية وقائمة بين الفن والحياة.
وهو ما أسوقه في الكلام عن العلاقات بين التثاقف والتجذر، أو بين التفاعل والابتكار، إذ أنهما زوجان لازمان، على ما أعتقد.
* تنطلق دراستك في "مذاهب الحسن" من مقولة "المعجم دال انثروبولوجي وتاريخي في آن".
- طبعاً، ثقافتنا، لا معاجمنا وحسب، تشكو من نقصان في تاريخيتها، إذا جاز القول.
سعيت في مجهودات ومساع قليلة ولكن أكيدة في كتاب «مذاهب الحسن» تحديداً إلى «تتريخ» (أو تأريخ) بعض من ألفاظنا الدالة، إذا تثبتُّ من ورودها في «كتاب العين»، ما يعين حدوثها والاحتياج إليها وتبادلها في ذلك العهد التاريخي: اللغة مساعد توثيقي في هذه الحال، وإن كانت لا تملك التدقيق الذي تعرفه المعاجم الأوروبية.
وإذا كان لي أن أحدد لدراساتي غرضاً ما فهو أن تطمح إلى تسييق (وضعها في سياق) الثقافة في تاريخها، أي جعلها كما كانت رهن أيدينا وعقولنا وأذواقنا، محكومة بطلباتنا وتطلعاتنا ومحكومة بخبراتنا وسبلنا في الصنع والتصور.
* لقد أدنت الفصل بين واقع الصناعات التاريخي، وواقع الخطاب النقدي الفلسفي الجمالي المصاحب له. إلى أي حد أثرت التفاعلات الثقافية والحضارية المتنوعة بين الثقافة العربية الإسلامية والحضارات السابقة عليها في ائتلاف أو إختلاف العلاقة بينها؟
- أتساءل في كتابي «الفن الإسلامي في المصادر العربية...» عن طبيعة العلاقات بين الخطاب النقدي وواقع الصناعات التاريخي والاجتماعي، مشككاً في التلازم بينهما. ولإيضاح ما أقول أتناول بالحديث علم الكلام: فمن المعروف أن هذا العلم نشأ إسلامياً في مدونات عربية، وهو بالتالي وليد تلازم بين المعتقد والتفكير به، وفق احتياجات تبدت لأعداد من المتعلمين تخصيصاً، وطلباً لتأكيد سلطة وتمايز في الجماعة عن الفقهاء منهم، ومحاكاة لهم في آن.
أتساءل، إذن، ما إذا كانت العلاقات بين الفكر والفن في تلك العهود تنطلق من معاينات واستحسانات، أم من حسابات تأليفية أو ضرورات نصية متأتية على سبيل المثال من المباني الفلسفية الإغريقية؟ وماذا عن حقيقة الحسن والبهاء والرونق وغيرها من الصفات التي يغدقها الفارابي أو غيره من الفلاسفة القدامى على الموجودات: أتعني ما كان يعاينه بناظريه، أم بعيني اعتقاده، بمعنى أن مخلوقات الخالق تامة الوجود وحسنة أيضاً؟
العلاقات شائكة ومعقدة، إذن، بين الوجود والخطاب، خاصة إذا عرفنا أن عالم العلويات هو العالم التام والجميل وهو العالم الموجود خارج التناول والمعاينة كذلك. فمن أين أتي العلماء القدامى بأوصافهم هذه: أمن »النص« وحسب، أم من معاينات تحققوها في صناعات ومصنوعات كذلك؟
أما الحديث عن التفاعل بين الثقافات المختلفة، فلقد وجدت أفضل معاينة ممكنة لها في كتابي «الفن الإسلامي في المصادر العربية...»، إذ أفردت القسم الأكبر منه لمراجعة نقدية لكتابات «إخوان الصفاء»، التي تبدو في مجموع تناولاتها ومواقفها خلاصة تفاعلية متأتية من متون ثقافية مختلفة، وتعرض أصول نظرية جمالية ذات توليف مبتكر بين مصادر فلسفية ودينية واعتقادية متعددة، ويرى فيها كاتبوها أسس الجمال، سواء في الكون أو الإنسان أو المصنوعات، وفق حركات تفاعل بينها، تظهرها في تكوين حيوي. وهي نظرية جمالية، متعالية، ترى الحسن دقيقاً كما لو أنه عملية حسابية، وترى الحساب (بل العدد) تاماً، باهر التكوين والحصيلة مثل الحسن المادي.
وهذه القراءات المختلفة تقدم بالتالي قراءة نقدية، ضمنية، لما هو عليه »الفن الإسلامي«، سواء في بنائه الدراسي أو في سبل عمله وتفسيره؛ وتدعو، إذن، إلى الوقوف المزيد على أحوال الكتابات والمجتمعات التي صدرت عنها هذه الفنون، فلا تتعامل مع نتاجات هذا الفن مثل لقى أثرية وحسب.
* ألا ترى أننا نعبر بدوال عربية عن مدلولات غربية؟
- في السؤال وصف حال، لا أنكر حدوثه في كتاباتنا، ومنها كتاباتي طبعاً؛ بل أعتبر حدوث هذا الأمر دلالة حيوية، لا تخوينية أبداً. فأنا من دون هذا الكم الهائل من المعارف التي وثقها لي عدد من الدارسين الأوروبيين والأميركيين، ومن دون نهضة العلوم والمناهج التي جددوها وأصلحوها، لا أقوى - واقعياً على الأقل - على مباشرة البحث والتأليف. وهذا يعين حدوث تداخلات والتباسات بين الدال والمدلول لا يجوز قصرها على علاقة قالبية واصطناعية واقعاً، وهو ما أمثله في هذا القول العامي: «الألفاظ لنا والأفكار لهم».
ولا يجوز كذلك، الحكم على العلاقة هذه بطريقة تعسفية إذ تخفي أن كل ترجمة هي وضع جديد، مهما كانت الأمانة. ذلك أن الكُتاب يتملكون إذ يستعيرون، عدا أن تملكهم يقوم بالضرورة على إعادة صياغة جديدة لما استملكوه، تبعاً لحاجات و»تحويرات« يجرونها، في صورة واعية وغير واعية، على مواد المنطلق.
أسعى، إذن، في هذا المسار من دون عقدة ذنب، ولا تأفف، طالباً وحسب الأمانة لموضوعي. وهو تعبير أريد منه، لا الحديث عن شروط قومية أو أخلاقية للبحث، بل عن مقتضيات أجدها في ضرورات البحث نفسه.
* قراءة المعجم بوصفه نصاً دالاً على مدلولات فلسفية كما في دراسة مشيل إسحاق "المعاني الفلسفية في لسان العرب"، أو دالاً على مدلولات جمالية كما في دراستك "مذاهب الحسن"، أو على أي مدلولات أخرى ربما تكشفها الدراسات القادمة، يثير عدة إشكاليات منها:
إن انتظام المادة اللغوية داخل المعجم لايتطابق بالضرورة مع انتظام طريقة اشتغال عقل الأمة التي يمثلها؛
العلاقات المعنوية التي يقيمها المعجم بين مشتقات اللغة الطبيعية لا تتطابق يالضرورة مع العلاقات التي يقيمها العقل الفلسفي مع مشتقات اللغة الصناعية المنطقية؛
مدلولات الدوال المترجمة في علاقاتها مع مدلولات الدوال العربية؛
كما إن تعاملك مع المعجم قد أفرز لديك إشكالات أخرى بطبيعة الحال، بودي أن أعرف كيف تعاملت مع هذه الإشكالات وأنت تقرأ معجم العين بوصفه نصاً دالاً؟
- صلة الشبه غير قائمة بين كتابي والكتاب المذكور، إذ أنني أعول على تقنيات حديثة، مثل التعامل الدلالي والأناسي مع المعجم، فضلاً عن أنني أنطلق من المعجم لبلوغ حراكية الجماعات نفسها.
أقول هذا لأنصرف إلى مجموع ملاحظاتك التي تشير إلى تباين بين لغة المعجم، من جهة، وبين لغة «عقل الأمة»، كما تسميها، من جهة ثانية. والحديث هذا يتعلق، واقعاً، أو يخلط بين اللسان التاريخي وبين »لغات« الخطاب، إذا جاز القول. فما سعيت إليه يقوم على التحقق من الاستعمالات الحاصلة في الملكة اللسانية، والمثبتة في المعجم، وعلى التحقق، في المعجم وغيره من المدونات، من الألفاظ الاصطلاحية، الفلسفية والجمالية وغيرها، التي تشير إلى كل فن بعينه، أو إلى سمات وصفات ومحددات تقع في غير صنيع فني. ولقد أبنتُ في «مذاهب الحسن...» التباين الحاصل بين لغات متطورة خاصة بالخطاب الشعري أو الكتابي، على سبيل المثال، وأخرى ضامرة، مثل خطاب التصوير وغيره. بل أظهرتُ في هذا الكتاب، كما في كتاب «الفن الإسلامي في المصادر العربية...»، فقر اللغة العربية في التسميات الاصطلاحية، فضلاً عن أنها - إن وجدت - فهي لم تندرج أبداً في معاجم اللغة أبداً. أسوق مثالاً على ما أقول: يرد تعريف «المهندس» في «كتاب العين»، وهو عينه الذي يرد في المعاجم اللغوية التالية حتى «لسان العرب»، فيما عرفت مهنة المهندس تطويرات وإغناءات تعدت التعريف السابق، وهو أنه يهتم بقنوات المياه!
ولفقر العربية أسباب عديدة، يعود بعضها إلى أننا لا نقع - فيما خلا الشعراء والموسيقيين والخطاطين - إلا على صناع محدودي اللغة الاصطلاحية أو العدة اللغوية المتبلورة، وهو ما نلقاه في لغة الصناع حتى أيامنا هذه في المغرب تحديداً. ويضاف إلى هذا سبب آخر، هو أن علماء اللغة والفلاسفة وغيرهم انصرفوا إلى دراسة فنون دون غيرها، مثلما نلقى ذلك، على سبيل المثال، في «كتاب الموسيقى الكبير» للفارابي الذي يستجمع في متنه لغة اصطلاحية وتقنية، لا نقوى على فهم العديد من مفرداتها، إلا أنها تبدو شديدة التميز والتأكد والتبلور.
* تذهب إلى أن المجاميع الدلالية المستخلصة من مادة المعجم لا تبعد عما توصل إليه الفارابي في تعييناته الفلسفية، فهل يعني هذا أننا نتوفر على نسق فلسفي متبلور في علم الجمال؟
- هناك تعالقات، كما قلت، لا تطابقات أو توافقات تامة. فالخطاب الفلسفي، عند الفارابي أو غيره، لم يقم نصاباً للجمال أو لقضاياه أو معاييره، وإنما أقام كلاماً عن الموجودات، أو عن صفات الله. ذلك أن شواغلهم، هو وغيره، تختلف عما نطالبهم به، أو عما نقسرهم على قوله في تأويلات متسرعة.
* أرى أن هناك نقاط التقاء بينك وبين طه عبد الرحمن، صاحب مشروع "فقه الفلسفة" في اعتبار اللغة الطبيعية التي يتداولها الناس في تواصلهم مادة لتشييد نظام فلسفي، إذ أن هذه الاستخدامات تخضع لفلسفة غير منظر لها، فهي لذلك تمثل معطى بحاجة إلى أن تتولى الاشتغالات الفلسفية تشييدها، وضمن هذه الاشتغالات الفلسفية بالإمكان تشييد المفاهيم الفلسفية أو تاثيل المفاهيم الفلسفية كما يقول طه عبد الرحمن. فهل يمكننا على هذا النحو تأثيل المفاهيم الجمالية لتشييد فلسفة جمالية تنطلق من سياقنا الحضاري والثقافي؟
- مسعى طه عبد الرحمن منطقي في المقام الأول، فيما أسعى أن أكون في مجالات أخرى. ولا أقول أن مسعاي تأثيلي، أو تأصيلي، مثله، وإن كانت مساعي التأثيل والتأصيل قابلة للاستفادة منه,
(مجلة "البحرين الثقافية"، البحرين، العدد 32، نيسان-أبريل 2002).