مع عبد العالي رزاقي: لا ذائقة بصرية للأديب العربي
لم يكن لقائي به صدفة، ولم تكن علاقتي به وليدة اللقاء الذي جمعنا ذات مساء في أحد مقاهي باريس بل كانت أتابع نشاطاته الصحفية والأدبية منذ 1974 عندما زرت بيروت (...).
صدر له ديوان شعر بعنوان "فتات البياض" عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" (...)، كما ناقش أطروحة دكتوراه في "السوربون" عن "المبنى-المعنى في القصيدة العربية الحديثة"، ويحضر أطروحة أخرى (...).
عندما أهداني ديوانه "فتات البياض" وطالعته وجدتني أتجاوب مع معظم الآراء التي قيلت حوله وحول صاحبه وتذكّرت بعضها: كتب الزميل نسيم خوري ذات يوم في "الوطن العربي" يقول: "الشاعر الأصيل، أي الكبير بالمقاييس الفنية، غالباً ما ينتهي إلى الصمت". وحول سؤال: "لماذا تكتب الشعر؟"، أجاب الشاعر شربل داغر في مقابلة مطوّلة مع محرّر "النهار" قائلاً: "لأنتظم في عالم أشعر أنّه يفلت منّي كلّما حاولت السكن في مداه". ويستخلص الزميل خالد النجار في مقالة له بـ "المستقبل" ما يلي: "لقد وصل بالقصيدة إلى أقاصي النفي".
والواقع أنّ تجربة شربل داغر غنية ولعلّ هذا ما دفعني إلى إجراء هذا الحوار معه.
* لا شكّ أنّ مناقشتكم لـ"المبنى-المعنى في القصيدة العربية الحديثة" ضمن أطروحة دكتوراه قد سمحت لكم باستخلاص رأي فيما يتعلّق بالأبعاد الفنية للقصيدة الحديثة، ما هو تقييمكم لذلك؟
- لكي يكون القارئ على بيّنة ممّا أقول أشير بأنّ أطروحتي "المبنى–المعنى في القصيدة العربية الحديثة" تناولت بالدراسة ثلاث مراحل زمنية: مطلع الخمسينات، نهاية الخمسينات، ونهاية الستينات، متوافقة مع صدور أبرز ثلاث مجلات شعرية عربية: "الآداب"، "شعر" و"مواقف"، لأتبيّن المشكلة التالية: هل إنّ هذه المراحل الثلاث المعروفة في نقدنا بمرحلة التأسّس، ومرحلة التبلور ومرحلة التفجّر، وفي مدارس متفرّقة، هي مراحل فنية متباينة ومتبلورة؟ أي إذا كان التقسيم الزمني أعلاه يوافق ويؤكّد على بروز ثلاثة أجيال شعرية عربية فهل يعني هذا التقسيم تمرحلاً على المستوى الفني أيضاً؟
هناك إجابتان على هذا السؤال: سلبية وإيجابية في آن معاً: أجل عرفت القصيدة العربية الحديثة منذ نشأتها الأبعاد والأساليب الفنية التي خبرتها في نهاية الستينات. فقصيدة النثر، كنوع شعري حديث ومبتكر، لم نعرفه في نهاية الخمسينات "مع "شعر"، ولا في نهاية الستينات (مع "مواقف")، بل منذ العام 1953 في "الآداب" البيروتية مع محمد الماغوط ونقولا قربان. كذلك فإنّ الجملة الشعرية الطويلة كجملة مميّزة للنسق الحديث عرفناها في سائر المراحل... لا أستطيع أن أتوسّع في الإجابة حول هذه النقطة من السؤال لأنّ تحليلي سيتّخذ طابعاً تقنياً غير مناسب إلاّ للمعالجات الأكاديمية ولسبب آخر، وهو الأهمّ: وهو أنّنا نجد أبعاداً فنية مشتركة في المراحل الثلاث دون أن يلغي هذا تميّز كلّ مرحلة عن غيرها. بخوف وحذف ومهابة نجد القصيدة العربية في بدايتها تخلخل بنية القصيدة التقليدية إذ تكتفي مثلاً بتوزيع القافية أو بالتزاوج بين البحور البسيطة والمركّبة.
بدايات القصيدة العربية الحديثة بطيئة تكاد أن تطلّ برأسها الجريء فوق 15 قرناً من البناء العمودي للقصيدة. شيئاً فشيئاً ستفارق القصيدة على مستوى الأشكال البنائية النماذج المتوارثة، لتبني القصيدة- الحكاية، القصيدة الطويلة ذات البناء العضوي والسمفوني، القصيدة – الحالة النفسية. شيئاً فشيئاً سيمتلك الشعراء من جديد لغتهم، فيفارقون لغة المعاجم لملاقاة لغة الحياة، لغة التبادل اليومي والمبثوث الشعبي والإيديولوجي. شيئاً فشيئاً لا تعود القصيدة تماشي عالماً خارجياً، بل تبتكر وتشيع مناخاً شعرياً خاصاً بكلّ قصيدة. فالشاعر ما عاد يكتفي بالاستعارات الجميلة والرموز والأساطير الموحية بل صار ينسج مناخاً، بل "عالَماً" شعرياً. أي أنّنا صرنا نلقي قصيدة موحدة بـ"صورة" فنية واحدة شاملة (كصورة "الماء" مثلاً في عدد من قصائد السياب).
في نهاية الستينات ستفارق القصيدة العربية الحديثة خجلها وتردداتها لتخوض بجسارة غمار الكتابة ومجاهيلها السرية. القصيدة تكتشف أبعادها الفنية تحت راية التجريب، حيث تبنّت تجارب عديدة لا يوحّدها إلاّ تبيّن سبل جديدة للشعرية العربية. هكذا نلقى السرد (ومواصفات فنية أخرى عائدة إلى النثر) يصبح سمة أسلوبية، بحيث صار صعباً التفريق بين أنواع الكتابة الشعرية والنثرية. هكذا تمحي حدود الأنواع لندخل غمار "الكتابة الجديدة".
لن أستفيض في الشرح، فالموضوع متشعّب وذو طابع تقني– فني غالباً. أكتفي ختاماً بهذه الملاحظة الشاملة: القصيدة الحديثة تختلف أساسياً عن القصيدة التقليدية في أنّها قصيدة الحرية، أي الانطلاق دوماً من حرية الشاعر في تجربته ومع أدواته التعبيرية، لا التقيد بنماذج شعرية معمّمة ومتّبعة.
(...).
* من خلال ممارستكم الفكرية والأدبية والثقافية والفنية ربّما تكوّنت لديكم فكرة شبه متكاملة عن الوضع العربي وواقع الأديب والكاتب في الوطن العربي؟ كيف تنظرون إلى مستقبله؟
- مستقبل الأديب العربي غامض وهشّ مثل مستقبل هذه الأمة، لكنّه مستقبل واعد أيضاً مثل مستقبلها. لا ثقة في المستقبل إذا لم يعتمد الأديب العربي أصلاً على قواه الذاتية، وإذا لم يبدع أكثر فأكثر. الأدب هو غرض الأديب وأداته، من دون أن بتوقّع شيئاً من "خارج" الأدب.
يتصرّف أدباؤنا أحياناً ويولون عناية بالقضايا غير الأدبية أكثر من أدبهم، فتجدهم ملمّين ومنخرطين ومنشغلين بتفاصيل السياسة الداخلية أكثر من تفاصيل حياة أحد أبطال رواياتهم. طبعاً ظروف معيشة الكاتب لا تساعده على التفرّغ لكتابته فنجد بأنّ 44 في المائة من الكتّاب العرب مضطرون لأسباب معاشية أن يجعلوا عملياً من الكتابة مهنتهم الثانوية ومن المهنة الثانوية (التعليم، الصحافة – الإدارة) مهنتهم الأساسية.
سنجد دون شكّ أسباباً عديدة لا تبشّر بمستقبل مشرق للكاتب العربي طالما أنّ الحرية مهدّدة، والظروف الاقتصادية صعبة، والأمية متوارثة جيلاً بعد جيل. وما ننساه هو أن الأمم المقهورة لا تنجب فقط أدباء مقهورين بل أدباء مبدعين أيضاً، مثلما هي حال أميركا اللاتينية راهناً التي تشبهنا بسوء الأوضاع فيها.
كما أجيب على هذا القول بقول آخر: قد تكون الحرية معدومة تماماً فلا تكفي أديباً واحداً، لكن الأهم هو أن تبقى مساحة الحرية الداخلية مصانة، وشهوة الحرية مستبدة بالنفس؛ قد لا نستطيع مواجهة القمع علناً، قد يكسرنا، قد يحطّم قلمنا ويكمّ أفواهنا، ولكن الأهم هو أن تبقى النفس متوقدة، حيّة، حرّة، مؤمنة بما تريد قوله، بما يمنعونها عن قوله. الأهم، إذن، هو أن لا يعشش الخوف في النفوس مثل النصوص...
ولكن لنعد إلى أصل المشكلة، الأديب العربي، أساسياً لم يتبدّل منذ الجاهلية حتى أيامنا هذه، منذ أن كان شاعر القبيلة ثم شاعر البلاط حتى صار اليوم الشاعر الملتزم بقضايا أمته. منذ عمرو بن كلثوم حتى محمود درويش لم يقطع الشاعر، والأديب عموماً، حبل الصرة الأمومي–الأموي (نسبة للأمّة). بل ما هو جميل ومدهش عربياً هو هذه الصلة بين الأم والأمّة، وبين الجماع والجماعة"...
هناك صلة لم تنقطع بين الأديب العربي والسلطة، وما عرف الأديب منها غير الخيبات، مثلما كانت حال المتنبي ومثلما هي حال أعداد من كتّابنا المعاصرين.
بعيداً عن خيبات أو (نجاحات) أدبائنا مع السلطات العربية منذ عصر الاستقلالات العربية في الخمسينات، يجب البحث عن قيم وبالتالي عن علاقات بين الأديب والسلطة.
الأديب العربي، مثل أيّ مواطن عربي، "حيوان سياسي)"، أي انّه لا يكتفي بمشاغلة الكلمات رغم ثقل حمولاتها، بل يتابع وينشغل بقضايا بلاده في تطوّره وكرامته. إلاّ أنّ هذا الانشغال بالشأن السياسي–الزمني يجب أن لا ينسيه بأنّ غرض الأديب الأساسي هو الشأن الإبداعي–التاريخي. يجب أن تزول بعض الأوهام حول موقع الأديب (المصلح– الرؤيوي–المتمرّد...)، وحول "رسولية" الكتابة الإيديولوجية، بمعانيها المكرورة والمتداولة، التي تغشى غالباً نظر أديبنا، فلا تجعله يتبيّن موقعه وكلمته على حقيقتهما. فالكلمة ليست فتّاكة لدرجة تحميلها كلّ فتائل التفجير التي لا نستطيع أن نضعها في أمكنتها الخاصة بها. إذا كنّا لا نستطيع أن نتكلّم سياسياً بشكل ديمقراطي ومكشوف فيجب ألا نجعل من أدبنا كتابة سياسية.
* اختيار الغرب كبديل للوطن العربي؟ هل هي مرحلة أم استمرارية أم موقف؟
- ليست إقامتي في باريس منذ 1976، بعيداً عن وطني لبنان، اختياراً للغرب وبديلاً عن الوطن العربي. هجرتي ما أتت وفق هذا الحسم الإيديولوجي الذي يفترضه هذا السؤال. أنا في باريس لأنّني لست مستعدّاً للاشتراك في حرب لن أعرف إذا سقطت قتيلاً فيها، ما سأكون فيها: شهيداً أم خائناً. إقامتي مؤقتة، إذن، وباريس محطة، حتى أن علاقتي فيها سريعة، وعيناي متّجهتان أبداً إلى جبهات القتال في لبنان بانتظار الأمن والسلم والعودة.
أنا منذ سبع سنوات لا أعيش في باريس بل أنتظر، وإقامتي فيها فترة توقف قصيرة لكنّها تطول بانتظار أول طائرة مسافرة إلى لبنان السلم.
* باعتباركم واحداً من الكتّاب الشباب في الوطن العربي، هل لنا أن نعرف رأيكم في الأدب الشاب في الوطن العربي وخاصة الشعر؟
- أنا أنتسب طبعاً إلى الكتّاب الشباب في الوطن العربي، لكنّني لا أحبّ هذه التسمية لأنّها تحدّدني، لأنّها تحدّدنا في تيار، من دون علمنا، من دون قصدنا، وفيما أنا، وفيما نحن، نبحث عن طرق فردية ومستقلة تعبّر عنّا.
هذا ما يميّز الشعراء الشباب العرب: يشتركون في أنّهم يبحثون عن سبل تعبيرية تجعلهم متمايزين، ومتخالفين عن بعضهم البعض. هذا ما يجب أن يحرّك ويحرّض قريحة الشعراء الشباب، على ما أعتقد. فالشعراء الحديثون السابقون علينا اتّحدوا وتشابهوا في صراعهم مع القديم وتوليدهم للحديث، بحيث توافينا الفرصة لخوض غمار الحداثة وتبيّن مناحيها المختلفة. فالسابقون علينا كان عليهم أن ينفصلوا، أن يتحرّروا من سلطة "الأب" العمودي، أمّا نحن فإرثنا هو السياب.
في ظاهرة الشعراء الشباب العرب علينا أن نفصل بين المشرق والمغرب فنحن في المشرق نصارع مع الحديث لتبيّن مسالك جديدة للحداثة، أمّا أنتم في المغرب العربي الكبير فتخوضون كشعراء شباب معركتين مزدوجتين،: مع القديم والحديث في آنٍ واحد.
* أحداث كثيرة شهدتها الساحة العربية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي هل ترى لهذه الأحداث تغييراً في بنية القصيدة العربية؟ وإذا (نعم) إلى أيّ مدى تركت بصماتها في باقي المجالات الإبداعية؟
- إذا كان العمود الشعري العربي ببحوره المختلفة يوافق ويتناسب إيقاع الحياة اليدوية كما يذهب إلى القول أكثر من دارس، فإنّ هذا العمود قد تحوّل في القرن العشرين، ومع التبدّل الجذري لإيقاع الحياة العربية، إلى شكل خارجي ثابت مفروض، اصطناعي، لا يصدر ولا يعبّر عمّا يشهده الشاعر في بيئته.
أقول هذا لأؤكّد بأنّ القصيدة العربية الحديثة باتت تعبّر، لا بمضامينها فقط، بل ببنيتها الفنية أيضاً، عن التقلّبات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي نعايشها: إنّها تتفاعل مع ما يحيط بنا فتنقل صراخنا مثلما تنقل وقع السياط فوق أجسادنا.
لكنّه يصعب عليّ لا بل يستحيل في إطار هذا اللقاء أن أرصد وأتبيّن أثر هذه الأحداث في بنية القصيدة الحديثة والممارسات الإبداعية الأخرى، أكتفي فقط بملاحظتين عامتين:
الأولى وهي أنّ الشعر وغيره من ممارساتنا الإبداعية لم يعد يرزح تحت أشكال فنية بالية، غير مبالية بتفجّرات الواقع المحيط بها: "انفتحت" الأشكال الفنية بمعنى من المعاني على حركة الحياة.
الملاحظة الثانية تنطلق من السؤال التالي: هل يبني الإبداع العربي المعاصر المعادل الفني المناسب لحركة تغيرات الواقع؟ أميل إلى إجابة سلبية على هذا السؤال، لأنّني أجد دمنا المسفوح في أقبية التعذيب، في حروبنا الداخلية وفي معارك التحرير، تبقى أكثر دلالة عن وجودنا ممّا نكتبه أدباً عن هذا الوجود. إبداعنا يبقى دون حجم المأساة وعمق الأزمة. وهنا أعود مرّة أخرى إلى المقارنة بين حالتنا وحالة أميركا اللاتينية إلى المقارنة بين ضعف أدبنا وتفوّق أدبهم.
* من المعروف أنّ لكم علاقة واسعة بالأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، كيف تنظرون إليه؟ وهل هو في رأيكم يعكس اهتمامات المواطن الجزائري.؟
- لي علاقات واسعة مع الأدب الجزائري بالتعبير الفرنسي، من القراءة حتى المعرفة الشخصية. هذا الأدب جزائري، وهو لا يحتاج إلى شهادة حسن سلوك وطنية لتأكيد انتمائه إلى تاريخ هذا الشعب. يجب أن ننتهي من هذه المحاكمة القديمة أصلاً. إنّ هذا الجيل ما كان يمكنه أن ينتج إلاّ باللغة التي كان يمتلكها، أي الفرنسية، وقد عبّر الأدباء الجزائريون بالتعبير الفرنسي عن الجزائر متمزقة ومناضلة بلغة فنية رائعة يحسدهم عليها الفرنسيون أصلاً.
سأتوقّف، لن أسترسل في محاكمة قديمة.
بدل أن نسأل الأدباء الجزائريين السابقين على الثورة عن إنتاجهم، علينا أن نسأل الأدباء الجزائريين –جيل الثورة الأدبي– عمّا أنتجوه. هل يتوصّل الأدباء إلى تملّك لغتهم الوطنية أي العربية مثلما تملّكوا عبر الثورة على استقلال بلادهم؟ أكتفي بإثارة السؤال لأنّني لا أعرف حق المعرفة الأدب الجزائري وذلك لا يعود لتقاعسي بل لغياب الكتاب الجزائري عن حركة النشر العربية.
* استفادت القصيدة العربية من كثير من الفنون الأدبية الأخرى، هل لكم أن تحدّثونا عن استفادة القصيدة الحديثة من الفنون؟
- أجل استفادت القصيدة العربية من الفنون الأدبية الأخرى، وفي هذا تمتاز القصيدة الحديثة عن سابقتها، وذلك مثلما تستفيد الفنون الأدبية بدورها من القصيدة.
الصلات انعقدت بين أنواع الكتابة المختلفة بحيث باتت الكتابة العربية تشبه قليلاً الأوعية المتّصلة.
ولكن –للأسف– لم تستفد بعد قصيدتنا من الفنون التشكيلية، وعدم الاستفادة لا يعود إلى أسباب ناشئة أو مؤقتة بل إلى أسباب تضرب عمقها في الحضارة العربية الإسلامية، وهي أنها حضارة قولية–كتابية، لا تشكيلية–بصرية، فيما عرفناه في تاريخنا من فنون ارتبط باللغة وبالحرف دون الأبعاد الثلاثة، أو لعبة الظلّ والضوء، أو لعبة الألوان. حتى فنوننا كانت كتابية. إذن المبدع العربي بجانب غالباً الرؤية بمعناها الفيزيائي بما فيها رؤية أشياء وعلاقاتها. لهذا فإنّ شعراً مثل شعر ابن الرومي يبقى ظاهرة نادرة في شعرنا القديم.
فنّانونا المعاصرون يتفاعلون مع الإبداع الأدبي العربي فيما يتقاعس عن ذلك أدباؤنا. فالفنانان ضياء العزاوي وايتيل عدنان لا يتأخران عن استلهام عدد من القصائد العربية القديمة أو الحديثة في نتاجهما الفني، فيما لا يولي أدباؤنا العرب عناية بما يجري تشكيلياً. أدبنا العربي متخلّف تشكيلياً دون أيّ ذائقة بصرية. يكتب الأديب وهو يرتجل. يكتب دون أن يرى، بل كما يستبطن. يكتب بقلبه، بأعصابه، ولكن من دون عينيه.
( مجلة "أضواء"، مدينة الجزائر، 7 كانون الثاني-يناير 1987).