قرأتُ هذه الرسائل كسيرة ذاتية. هذا ما حاولتُه حين قمت بهذه الترجمة. فهي اختيارية، استنسابية، عمداً. لا تشمل رسائله كلها، بل تلك التي تتعلق بفترة محددة من حياته، المعروفة بـ"فترة الصمت"، بعد انقطاعه النهائي عن كتابة الشعر، والبحث عن الثروة فوق ضفاف البحر الأحمر. كذلك فإنني ما أوردتُ من الرسائل إلا ما اعتبرته علامةً دالة على هذه "السيرة"، على مستوى التعبير.
هي سيرة، وأنا "كتبتُها"، وفق طريقة "الكولاج" الفنية. ما اكتفيت بترجمة رسائله ورسائل أخته إليزابيت وأمه، بل أوردت أيضاً رسائل لرجال عايشوه في تلك الفترة، أو شهادات من مذكرات شخصية، أو من الجرائد الفرنسية حينذاك، محتفظاً بتسلسلها الزمني، ساعياً من ذلك كله إلى أن ألقي أضواء مختلفة عن هذه الفترة، بحيث تتعاكس الشهادات فيما بينها، وتكشف تعقد الشرط الذي كان يعايشه رامبو، دون أن نتبينه تماماً من خلال رسائله وحدها. فما أغرب الفارق في الشهادة بين ما كتبه رامبو عن عدن مثلاً، وما كتبه ألفرد باردي: ذلك يكتب عنها وكأنه ما خرج من بيته إليها أبداً، وهذا يتعرف إليها عن قرب!
رواية رامبو مستحيلة، لا لصعوبة المصادر والمراجع وندرتها، بل لأن كل واحد منا يمتلك روايته الخاصة عنها.
("العابر الهائل بنعال من ريح: رسائل أرثر رامبو"، دار أزمنة، الطبعة الثالثة، عَمان 2014).