كيان النص بين رفعه ووضعه

 

يتحدث أحد محاور المؤتمر عن "ما فوق النص"، وتتحدث دراسات متأخرة عن "ما قبل النص" أو عن المدونات المحيطة بالنص القريبة من "عتباته" فيما تسعى هذه الدراسة إلى الحديث، أو إلى تبين ما يمكن تسميته بـ"كيان النص"، أي ما يعبره ويكونه ويبنيه، في عملياته التنصيصية. وهي عمليات نتحقق فيها من العلاقات التي تجمع النص بغيره من النصوص، السابقة أو المحايثة له؛ ومن العلاقات "الحوارية" بين النص ومرجعه، وبينه وبين ثقافته.
لو عدنا إلى غير بحث وكتاب وقاموس مستحدث في اللغات الأجنبية، وفي عدد من الكتابات العربية، لوجدنا لفظ "النص" يفوز بمقادير كبيرة من التعريفات والتعيينات، حتى أننا نقوى على تعيينه بوصفه أحد الألفاظ الدالة على الثقافة الحديثة، بل أقواها على الأرجح.
وما كان لهذا اللفظ، بل دلالته الناشئة، أن يعرف مثل هذه الاستثمارات الدلالية لولا دراسات اللسانية، خصوصاً البنيوية منها، التي أعطت "النص" ومحضته واسع الدلالات وأجدها: فلو راجعنا الدلالات المختلفة لهذا اللفظ، في تسمياته الفرنسية والانجليزية تحديداً، لوجدنا أن مجال استعمالاته واسع ومتعدد. وهذا يصح في الدراسات اللسانية التي جعلت من الجملة "منتهى" دراستها اللسانية، ويصح كذلك في الدراسات الأخرى التي درست ظواهر (أو "وقائع") لغوية تبدأ بالجملة وتصل إلى أنماط التركيب في مجموع النص الواحد، أي مجموع الجمل المؤلفة له. وهذا ما يقودنا إلى طرح المشكلة التالية: أيعود هذا الاهتمام بـ"النص" إلى أمور متحققة في الكتابة نفسها، بحيث استوقفت أمور تركيبية فيها نظرَ الدارسين، أم يعود الأمر إلى أمور أبعد مراماً وتطاول مبني اللغة قبل ألكتابة نفسها؟
لا يحار الدارس جواباً عن هذا السؤال، ذلك أن عودتنا إلى التاريخ القريب تفيدنا أن مبعث الاهتمام هذا عاد إلى تجدد النظر إلى اللغة نفسها، بعد طول أسر في المعارف التقليدية (صرف، نحو، بلاغة...)؛ أي إلى تجدد النظرية المعرفية التي تعامل علماء اللغة، ابتداء من فردينان دو سوسير، بواسطتها مع "مواد" اللغة، في نواها التركيبية الصغيرة والكبيرة في آن. والجديد اللافت في هذه الدراسات المستجدة هو أنها ما عادت تتعامل مع الكتابات أو الاستعمالات اللغوية تعاملاً تقنياً (يقوم، على سبيل المثال، على التحقق من وجود استعارة في جملة، أو في قصيدة)، بل تعاملاً يقوم على التحقق من وجود "سوية لغوية" ما، أو نسق ما قابلٍ لأن يكون عينة صالحة للدرس، على أنه مبنى لغوي مفيد ودال على معنى. لهذا نقول إن مبعث الاهتمام يعود إلى اهتمامات لغوية محض، أي إلى طلبِ دراسةِ ما يؤلف اللغة في تحققاتها المختلفة، الدنيا كما العليا.
ولقد كان لهذا التوجه في النظر اللساني أثر كبير على التعامل، لا مع مواد اللغة ونصوصها المختلفة، وإنما خصوصاً مع مواد الكتابات التأليفية كذلك. ذلك أن الدارسين ما عادوا، والحالة هذه، يدرسون قصيدة أو رواية بل "سوية" ما، أو نسقاً من، هو الشعرية أو السردية، ما يجعل النسق غالباً أو محل درس أجدى من أي مجموع تأليفي. لا بل توصل بعض الدارسين إلى جعل "الشعرية" نموذجاً محتذى عند دراسة أي مبنى كتابي.
نجمل في هذا الحديث القول، واقعاً، عن أمور مختلفة، ونتساءل: ما النص؟ أهو مفهوم ناشئ أم تسمية جديدة لشيء كتابي قديم، معروف بما فيه في العربية؟ وما النص في بنيته المخصوصة؟ ما هو في تناصيته، أي علاقاته بغيره؟ كيف يتعين النص في العربيو؟ مما يتألف؟ ما الفارق، أو الفوارق، التكوينية بين نص وآخر؟

1 – الكتاب، أو الأصل الفتوح على الوضع
كتاب كمال عرفات نبهان "العلاقات بين النصوص في التأليف العربي" ("دار العربي للنشر والتوزيع"، القاهرة، 1998)، مسعى لافت في هذه المبحث، إذ انه يدرس، وفق منطق تكويني وببليوغرافي في آن، علاقات التفارع التي أنتجت نصوصاً متباينة ومتقاربة في الكتابة العربية القديمة. وكتابه هذا يشتمل على معرفة مزدوجة، تصله، من جهة، بعلم نظام المكتبات (أي النسق الذي يساعد مصنفي الكتب في الفهارس العامة في المكتبات الكبرى، ولاسيما مع تطوير نظام تخزين المعلومات في الأنظمة الالكترونية المحدثة) وتصله، من جهة ثانية، بعلم تكوين النصوص الأدبي، أي الوقوف على أسس التعالق التي تربط النصوص بعضها ببعض، فيجعلها تقترب أو تنفصل فيما تقترب من بعضها البعض عند استئناف التأليف أو مباشرته.
وفي ذلك يميز نبهان، بداية، بين التأليف الإبداعي والتأليف الوثائقي، على أن الأول منهما يقوم على التعبير عن النفس من دون ارتباط بوثائق أو بمواد سابقة تلزمه في نمط التأليف، ويعتمد الثاني على أشكال متعددة من الاتصال بغيره من المواد والوثائق لتجهيز المواد المنتجة.
يصرف الكاتب القول طويلاً في التمييز بين أنواع التآليف، في المجال التوثيقي، مميزاً بين التأليف الاستشهادي الذي يتعامل مع عدة مصادر ومراجع في تعامل أفقي، إذا جاز القول، وبين التأليف النصي المحوري الذي يعتمد في الغالب على نص محوري في تعامل رأسي إذا جاز القول. ونتحقق بالتالي من إقامة النص، وهو قيد التأليف، في بيئة أو وسط أو نص مفرد، يبنى عليها، وفق علاقات متباينة، بعضها يقوم على التأليف التابع، والآخر على التأليف المرتبط أو على التأليف المستخدم للنص الأصلي.
غير أن الدارس يكتفي في كتابه بتناول التأليف النصي المحوري وحسب، بوصفه ظاهرة هامة في التأليف العربي القديم، هادفًا إلى معرفة مختلف العلاقات بين النصوص، وتصنيفها وتوضيح أبعادها وخصائصها وتعيين نماذجها. ولقد أجرى لهذا الغرض مسحاً ببليوغرافياً واسعاً على المؤلفات العربية في مدى 14 قرناً، وخلص منه إلى تحديد عينة للمعاينة في مدى الدراسة.
يتوصل الباحث، بعد دراسة مستقصية لأنواع التآليف، إلى الوقوف على بعض خصائصه، ولعل أهمها إقامة التأليف على مدارات موصولة بنص أصلي، فيما يتحول بعضها بدوره إلى مركز لغيره من المؤلفات. وهو ما نتحقق منه النزعة إلى التأصيل، التي تقيم اعتباراً لـ"جلالة الأصل"، من جهة، وإلى قيمة الزيادة والإضافة عليه. يقول الكاتب: "فكرة تأصيل النص بوصله بأصل مرموق، تبدو جوهرية في محاولة النفاذ إلى أسرار ظاهرة التأليف النصي، وهي تنطوي في بعض جوانبها التأصيلية والتوثيقية على حرص المؤلف على تقديم شهادة نسب تثبت قوة سنده واستناده إلى أصل راسخ من النصوص السابقة، سواء بالاستناد النصي عليه، أو بالتسمية المتصلة به، كما كان يحدث في "الذيول"، وإما بالاستشهاد بنصوصه لاتصال السند بمؤلفه، أو بالبناء عليه كما حدث في بعض المعاجم اللغوية.
هكذا سعت المجهودات التأليفية المختلفة إلى الإحاطة والتمام في ميدانها، وهو ما أدى ببعضها إلى أن يكون في عداد "الكتب الأمهات" مثل كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي الذي عده البعض كافياً، "فلو ذهبت كتب الإسلام وبقي "الإحياء" لأغنى عما ذهب". وهو ما تحقق منه الدارس إذ وجد 94 مؤلفاً "تبعت" كتاب "الصحيح" للبخاري، و72 مؤلفاً تبعت "ألفية" ابن مالك، وغير ذلك من الكتب التي تمتعت بطاقة جذب هائلة في الثقافة العربية القديمة. ولكن لأي وظائف تستجيب أشكال التأليف القديم؟
يمكننا الوقوف على عدة وظائف، في تتبعنا لأشكال التأليف هذه، على أنها تقع في استهدافات كل تأليف، طالما أنه يستجيب لحاجات تبادلية في كل مجتمع، بين مرسل ومرسل إليه. فنجد وظيفة الحفظ أساسية في أشكال المختصرات والمنظومات، ووظيفة الفهم في كتب الشروح والحواشي، ومتابعة التغطية في كتب الذيول، وتكملة النص والتصحيح في الاستدراكات، والبحث والاسترجاع من النص في المفاتيح والأطراف، والسيطرة على النص وتطويعه في التهذيب، والجدل والمناقشة والمعاركة الفكرية في الردود...
هكذا نرى من خلال أنواع التأليف صورة متقطعة، ولكن قابلة للجمع، عن الثقافة، فنجد أنها تسعى إلى تكامل النصوص فيما بينها (حيث أن كتاباً "يستدرك" ما فات ذكره في كتاب سابق)، وإلى تواصل النصوص واستمرارها (التي تتحقق في "التذبيل")، وإلى تنمية النصوص (حيث أن كتاباً يتم بناؤه على نص سابق بغرض تنمية جوانب منه واستثمارها بقوة أكبر أو وفق وجهات جديدة)، وإلى "تركيم" النصوص (حيث أن كتاباً أو كتباً يتم دمجها في غيرها) ، وإلى "تفارع" النصوص (حيث أن النصوص الأصلية استدعت أحياناً نصوصًا "تابعة" وأخرى تابعة للتابعة، ولقد انتهى المؤلف إلى تحديد التفارع حتى الرتبة الرابعة في بعض الكتب القديمة).
وهذا ما دفع الباحث، وإن في وقفة سريعة، إلى تبين حقيقة هذه الظاهرة قديماً، فوجد أنها تتصل، أو تصدر عن حاجات واقعة في النظام التعليمي، حيث أن الكتاب-الأم، الذي يقف على رأس كتب بعينها، يقابل ثقافياً المؤلف-ألأستاذ، الذي يقف على رأس التعليم في الحلقات والجالس والندوات. وهو ما نجده متحققاً في العدد الواسع من الشروح والحواشي والمختصرات، إلتي ترتبط بحركة مستمرة من الدراسة والجهود التدريسية من جانب الشيوخ، ومن محاولاتهم لتقريب العلم إلى إفهام طلابهم، كل بطريقته الخاصة، وفي إطار تقاليد سائدة في التدريس والتأليف.
كذلك نتحقق في هذا النظام من وجود تقابل آخر، او نسق جامع للعمليتين، وهو الظن، بل الاعتقاد باستمرارية الثقافة العربية، وتعويلها دوماً على نص-أساس. إلا أننا نعتقد بأن النظام هذا ينطلق أيضاً من اعتقاد معرفي قوامه أن المعرفة واحدة، وقابلة لجمع وزيادة وحذف وتعليق، سواء في القرن الثاني للهجرة أو في القرن الثامن للهجرة، وهو ما يمكن تسميته بالأصل المفتوح على الوضع، أشبه بمدونات متتابعة لنص واحد قيد التأليف في صورة دائمة: هذا ما يعطي التأليف العربي هيئة المعمار المنشئ، الذي يتم تحسينه وتسويته، وفق تطلبات معيارية وتقعيدية، تجعله يطلب تماماً واكتمالاً، كما لو أنه متن قيد التحقق قبل بلوغه صورته المثالية والناجزة، أشبه بالنص التاريخي ولكن الطامح إلى الثبوت الأخير، مثل ثبوت القرآن في النسق الديني.
ونحن نعتقد كذلك بأن هذا يجيب عن حاجات متولدة عن كيفيات انتقال المعارف في نظام نسخي وتداولي (لا كتابي، نشري، مثلما نعرفه منذ عهد الطباعة)، إذ كان المؤلف يعمم أو يعلق أو يزيد عما كان متداولاً في عصر سابق، وما بات قليل الحضور، أو معدومه، في عصره. ولكن ماذا يمكننا القول عن أنواع التأليف هذه، فيما لو انتقلنا إلى عصرنا الحديث؟
الكاتب لا يجيب عن سؤالنا هذا، وإن تناول في دراسته كتاب طه حسين الشهير "في الشعر الجاهلي"، الذي شكل بعد صدوره، وإن لأسباب أخرى، كتاباً أصلا لنصوص عديدة تفرعت عنه وردت عليه. فهل نقول – فيما خلا كتاب حسين وربما غيره في الثقافة العربية المعاصرة - أننا قطعنا مع نظام التأليف المتصل بنص- أصل، وهل انتهجنا نظاماً تأليفياً يقوم على جعل كل نص أصلاً في حد ذاته، في مجال التأليف التوثيقي؟
لا يمكننا القول، بداية، إن ابتداع النصوص تزايد في عصرنا الحديث، بدليل أننا نجد كتباً عديدة "متعالقة"، وإن كانت أسباب التعالق غير منظمة ونسقية مثلما كانت عليه في عهد التذييل والشرح والزيادة وغيرها. فنحن نستطيع الوقوف، على سبيل المثال، على عشرات الكتب، بالعربية والأجنبية، متصلة بدراسة الشعر العربي الحديث، ونستطيع التحقق كذلك من وجود أسباب تعالقية فيما بينها، أو من عودتها اللازمة إلى كتاب نازك الملائكة عن الشعر الحديث، على سبيل المثال، بوصفه كتاباً- أصلاً، وغير ذلك من الظواهر. إلا أن التعالقات هذه تقودنا إلى تبين أسباب تفارع جديدة، لا تقوم على التأليف انطلاقاً من نص، بل انطلاقاً من ظاهرة بعينها، على أن المساعي التأليفية المختلفة تقوم على جعل علاقتها بالظاهرة: أصلا" يمكن التعويل عليه.
وفي ذلك يمكننا القول إن المؤلفين يشددون في عصرنا على التمايز في محاولاتهم، لأسباب تنافسية بينة، وإن كانت لا تؤدي محاولاتهم أو لا تشكل تمايزات لافتة في مجالاتها التأليفية. وهو ما نلتمسه منذ عناوين الكتب في عصرنا الراهن: إن كتبا قليلة، مثل كتب جورج طرابيشي، في الرد على كتب محمد عابد الجابري، سعت منذ عنوانها في أن تكون تكملة نقدية لكتاب سابق، إذ تسعى الكتب إلى طلب تباين بات هو عنوان الجدة في النشاط التأليفي، وإن كان الكتاب لا يضيف الشيء الجديد بالضرورة.
أحصى المؤلف في دراسته واحداً وعشرين شرحاً لـ"حماسة" أبي تمام، و55 عالماً قاموا بشرح أو بخدمة "كتاب" سيبويه، إلى غير ذلك من الإسهامات التي خدمت نصوصاً سابقة، فطورتها و"حسنت" من سلالتها، إذا جاز القول، في الوقت الذي انصرف فيه بعضها الآخر إلى التقادم والتشيخ والاندثار. هذا ما يمكن قوله عن عدد من التآليف القديمة التي وجدت في مساعي بعض المحدثين، لا التقليديين والسلفيين وحسب، "رجعة جديدة إلى صباهم": هذا ما يمكن قوله عن إسهامات العديدين منذ عصر النهضة في إعادة طبع وتحقيق ودراسة الكتب القديمة، أو عن إسهامات غيرهم في تنشيط الحياة وإعادة كتب أو كتاب إلى التداول من جديد في دورة المعاني (من كتب المتصوفة حتى المتنبي)، وما يمكن تسميته بـ"تتريث" الكتابة الحديثة، إلى درجة يمكننا معها السؤال: ما حققت الثقافة الحديثة من إسهامات لافتة مخصوصة، وما درجات تأليفها النوعي والابتكاري، وما درجات تميزها عن المستمر من عوامل الماضي؟

2- الكتاب حافظاً زمنياً
علاقات التفارع بين النصوص ترسم، واقعاً، مدى تأليفياً خارجاً على الزمن، أو مفتوحاً على اجتماع بناء تقعيدي، هو ما نلقاه في عدد من "العلوم" عندما "استقرت" في صيغ ومدونات لها معيارية وحسب، غير عابئة بالزمن، إلا زمن "الإنزال" أو الحديث". ومع ذلك لا يمكننا القول إن الكتابة القديمة "مغفلة" في مجمل أحوالها، جارية وحسب في زمن سديمي مقطوع الصلات بالمجريات والأحوال وصروف الزمان. هذا يصح طبعاً في الشعر، في كثير من قصائده التي نحت بعيداً عن المديح وقواعده، صوب تعبيرية وجدانية أو صوفية قوية النبرات، ولاسيما في العهد العباسي. كما يصح كذلك في "المقامة"، وفي عدد من التآليف النثرية التي رسمت مناخات اجتماعية، أو رصدت أحوالاً نطقية أو عادات أو سلوكات وغيرها.
والعودة إلى كتابات أبي حيان التوحيدي، مثل العودة إلى كتابات الجاحظ، قبله، لا تذكرنا بأستاذي "النثر الفني" وحسب في العربية، وإنما أيضاً -وربما هذا بسبب ذاك - بشيء يتعدى الأسلوب نفسه أو الأداء، وهو مقاصد القول وأغراضه، وتذكرنا كذلك بصلة قلما نعرفها قديما بين الكاتب نفسه وبين زمانه. فنحن قليلاً ما نقع في كتابات سابقي التوحيدي ولاحقيه على هذه العلاقة المشدودة الأسباب بين ما يجري في زمانه وما يطلبه منه؛ وهي علاقة تجد سبباً للتأليف في ما يجري أمامها من جدل وقضايا، أو في التعبير عن أحوال النفس ومكابداتها، أو في التشكي مما يعرضه الدهر من أحوال وظروف وحظوظ عليها. عدا أن الكتابة تتحول في هذه الحالة إلى ملجأ، إلى حديقة سرية، إلى خشبة مسرحية تتعرى فيها النفس، وتواجه ما يصيبها، في حركة تستعيد فيها شيئاً من اعتدادها بدعواها لنفسها بفعل الكتابة نفسه، أو تعوض الكتابة للنفس ما فاتها في الدهر.
ذلك أن ما باشره الجاحظ – مثل رصد أحوال زمنه من لباس ونطق ومعتقدات وغيرها- لم يكن ممنوعا على غيره، بدليل أن أحدا لم يعترض على مثل هذا المسعى، لكن أحداً لم يتبعه بالمقابل، بل ما اتبعه يمكن حسبانه في عدم التقيد وحسب بـ"تقاليد" كتابية سارية، مثل تجميع "مرجعية الفصاحة"، على ما بدأ به ابن عباس اقتداء بالرسول نفسه في ترجمة معاني القرآن، وما استدعاه دخول جماعات غير عربية في لغة الإسلام، أو مثل "التصنيف" نفسه، الذي هو درجة أعلى في التجميع وفرزه في آن؟
هل كانت "عين" المؤلف تقوى على إشاحة ما كان يعرض عليها من سبل في النظر، متاحة ومرغوبة كذلك في أطار تبادلات المجتمع، بما فيها المجالس عند النافذين والحلقات بين المتعلمين؟ وهل كان المؤلف نفسه يقوى على أن يكون "مؤلفاً" لا جامعاً ولا مصنفاً وحسب، وأن يقيم علاقات شفافة بين الكتابة ومعطيات ومعروضات ما يحدث أمام ناظريه؟
نثير هذه الأسئلة (وربما غيرها)، لكننا نخشى أن لا تكون تاريخية، بل مسقطة على زمن آخر، تبعاً لما يصيبنا في زماننا - زمن هذه الدراسة - من هواجس وتساؤلات حول التأليف ومبنى النص، بل "منطق" التأليف نفسه: عذرُنا الوحيد في ذلك هو أننا لا نعرف الوحشة عند قراءة كتب التوحيدي، ولاسيما "كتاب الإمتاع والمؤانسة" (عدنا إليه مطبوعاً في مجلد من ثلاثة أجزاء، تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين، المكتبة العصرية، بيروت- صيدا، من دون تاريخ)، بخلاف غيرها من الكتب القديمة، التي تبدو لنا محكومة بحسابات واعتبارات وتقاليد بعيدة، حتى لا نقول محكمة الإبعاد، عن تصورنا الراهن للكتابة والمؤلف.
وقد يعود سبب الألفة مع هذا الكتاب إلى طبيعة الشروط التي تقيد بها، بل وقائعه نفسها. فهو مجموع "عقد كتابي"، أو تراسلي، جرى بين التوحيدي وأبي الوفاء البوزجاني المهندس، وقضى بأن يكتب التوحيدي وقائع المحاورات التي دارت في مجالس الوزير أبي عبد الله العارض، بعد أن سعى البوزجاني إلى تقريب التوحيدي منه، وإرساله إليه لهذا الغرض بالذات. فالكتاب في مبناه العام ثلاثة أجزاء موجهة إلى البوزجاني، يعرض فيها ما جرى في ليالي المجلس من مسامرات مختلفة، وهي مسامرات طلبها الوزير، أو عينها بنفسه، في أغلب الأحوال، وأراد البوزجاني بدوره الاطلاع علبها والاستفادة منها، "حتى إني كنت شاهداً معكما رقيباً عليكما أو متوسطاً بينكما" (ص1/7). وبفضل موجبات هذا العقد الكتابي وصلنا كتاب التوحيدي، وسلم من عثرات الدهر، ومن حرق التوحيدي نفسه لبعض مؤلفاته، على ما تقول الأخبار عنه.
وما يستدعي وقوفنا في الكتاب كونه ينبىء عن طريقة وضعه، في عير موضع، وتنكشف فيها طرق في الرتق والجمع والحفظ والتدوين والتزويق وغيرها. وأول ما يشد انتباهنا في هذه "السياقة" (كما يستعملها التوحيدي، هي و"السياق" أيضا في كتابه هذا) هو أن التوحيدي يؤدي أدواراً مختلفة في الكتابة، منها يعود إلى ما نقله عن أساتذته، مثل أبي سليمان المنطقي السجستاني وغيره ممن تحفل بهم المسامرات. وهو ما غاب عن عدد من الكتاب المعاصرين ممن ساقوا أقوالاً، عن الطبيعة والصناعة على سبيل المثال، من دون أن ينتبهوا إلى أن التوحيدي من ناقل لكلام غيره، لا واضعه بأي حال. وهذا ما يتضح في عدد من كتب التوحيدي الأخرى، وما يعود - في جملة ما يعود إليه - إلى أن التوحيدي كان "وراقاً" ينسخ الكتب والرسائل لغيره، ولنفسه من دون شك. وهو ما نتحقق منه في هذا الكتاب، وإن في صورة غير جلية تماماً، وهو أن التوحيدي في مسامراته العلمية هذه كان يحتفظ معه بمواد مخطوطة جمعها هنا وهناك، أو أخذها من مخطوطات غيره، عن أساتذته، وعن مناقشاتهم، وهو ما كان يجمعه في "رقع" للتلاوة في مجلس الوزير، تبعاً للطلب.
غير أن هذا التجميع مختلف عما علافه سابقوه من مؤلفين (ولاحقين أيضاً)، ذلك أنه أخذٌ ثقافي، إذا جاز القول، بمعنى انه يعمل على الاحتكاك والتفاعل والجدال، ما يقربه من "مثقفي" اليوم. ففي غير موضع يوضح لنا أنه لم يحفظ ما يقوله (وهي كطريقة القدماء في "الرواية"") بل أخذه عن غيره ممن حضروا المناقشات هذه: "ولكن كتبَ ذلك أقوام حضروا، في ألواح كانت معهم ومحابر، وقد اختل على الكثير منه" (1/128)، عارضاً أحياناً لموقفه "الوسيط" في هذه العملية الثقافية: "كل قد قال ما عنده بقدر قوته ولحظه، وأنا آتي بما أحفظه وأرويه" (1/198).
والكتاب يخبرنا كذلك، لا عن مصادره وحسب، وإنما عن طريقة صنعه الفني والتأليفي كذلك. فبعض مواد الكتاب مجموع في مدونات خطها التوحيدي بنفسه أو خطها عن غيره، وبعضها الآخر منقول "من جهة المعنى" فقط، حسبما يقول، أي أن التوحيدي حفظها وصاغها هو بلفظه. كما نتحقق كذلك من أنه كان يعد لكل ليلة "رقعاً" يجمع فيها المواد المطلوبة لليلة نفسها. وفي الكتاب إشارة لطيفة إلى قربى هذه "الليالي" من "ألف ليلة وليلة" وإن كان يذكرها في اسمها الفارسي "هزار أفسانه" المعروف في عهده، وفي معرض الحديث عن الخرافات: هنا، الليالي تتحدث، بخلاف حكاية شهرزاد، عن مسامرات المعرفة؛ وهنا الراوي، أي التوحيدي، يكابد شرطاً لا يقل امتهاناً للنفس عما عرفته شهرزاد نفسها، هو انه ملزم بتقديم مواد لكل ليلة مما يرضي الوزير ويوفر له المال اللازم. وهو ما تصرخ به صفحات الكتاب الأخيرة، إذ نتحقق كم أن التوحيدي لم يكن أكيداً بعد من حصوله على الهدية.
هكذا يتضح لنا أن الكتابة رتقٌ وتجميع و"زبرجة" أيضاً، كما يقول التوحيدي ـ أي إعادة صوغ وتزيين. فهو لا يكتفي بإيراد الكلام، مثلما ورد إليه، بل يصوغه من جديد: يفيدنا في مطلع الجزء الثاني، في معرض حديثه لأبي الوفاء عن إرساله إليه الجزء الأول، انه سرد الأحاديث كما دارت في المجلس، إلا أنه "زبرجها" (أي زينها) أيضاً. وهذا ما يصح كذلك في "ترتيب" الكتاب، في تدبير نسق له من التتابع، حيث يفيدنا التوحيدي أنه لم يأخذ بعين الاعتبار ورود الكلام في المسامرة نفسها، بل انتظام الكتابة وفق المقتضيات التأليفية. فهو يختم الجزء الأول بالقول: "غير عائج على ترتيب يحفظ ضرورة التصنيف على العادة الجارية لأهله" (1/226). وهو ما يعرضه في صورة أوضح في هذه العبارات: "ولما كان قصدي فيما أعرضه عليك، وألقيه إليك، أن يبقى الحديث بعدي وبعدك، لم أجد بداً من تنسيق يزدان به الحديث، وإصلاح يحسن معه المغزى، وتكلف يبلغ بالمراد الغاية" (3/162).
يعرض لنا "كتاب الإمتاع والمؤانسة" الظروف الحوارية، التراسلية، التي خضع لها وتحكمت بظروف تأليفه كما بمواده أيضاً. وهي صورة عن حال "المؤلف"، لا في تبعيته القاسية للوزير وحسب، بل في تبرمه من ضرورة أن يكون "ناقل" أخبار لا يريدها عن أساتذته، وعن أخبارهم الداخلية: نراه في موضع في الكتاب يتذمر من اضطراره إلى نقل ما يقوله بعض الكتاب عن الوزير نفسه، ولا يرضيه في ذلك دفاع الوزير عن مثل هذه الحاجة، إذ يطلب الوزير في أن تكون له أياد تساعده في عمل ما يريد، وعيون تساعده على الرؤية حيث لا يكون، وغيرها من الأعضاء-الوظائف التي تجعل جسد الوزير جسد الإمارة، بل جسد المأمورين أنفسهم، فلا يفصل أبداً بينه وبينهم، حيث أنهم هو، ولا وجود لهم بدونه وخارجه.
"يتذمر" التوحيدي من إخضاع الوزير له، وقي ذلك إشارة إلى شعور بالذات، بتغايرها، بوجدانها بنفسها، بوجود علاقات و"صداقات" (ومنها رسالته الشهيرة في الصداقة) يمكن لها أن تنوجد بين هذا وذاك، ومن دون أن تكون متوجهة إلى جسد الأمير، وتفعل بمقتضاه. وهو ما يقربنا من التوحيدي، ونتحقق من كونه طلب من الكتابة أن تجري حواراً مع النفس، وأن تكون على درجة من الشفافية، تحكي وجع النفس، مثلما فعل ذلك المتنبي قبله، وإن في صورة أقل تصريحاً، في شعر المديح خصوصاً. وهو لا يقوى كذلك على الانفصال عن دورة المجالس والنافذين، وهو الذي قال إن مهنته هي "مهنة الشؤم"
ففي مواضع مختلفة، في كيفيات مواربة وصريحة، يحدثنا التوحيدي عن شفافية وتراسل، بينه وبين نفسه، بل نجده في هيئة فئة من الكتاب الذي يصفهم في هذه العبارات: "ومنهم طائفة أخرى قد عكفوا في بيوتهم على ما يعنيهم من أحوال نفسهم، في تزجية عيشهم (...) لكن اليأس قد غلب عليهم (...) ورأوا أن سف التراب أخف من الوقوف على الأبواب، إذا دنوا منها دفعوا عنها". وهو الذي يصف أحواله في صورة أصرح في خاتمة الكتاب، في كلام موجه مباشرة إلى البيزجاني: "قد أذلني السفر من بلد إلى بلد، خذلني الوقوف على باب باب، ونكرني العارف بي، وتباعد عني القريب مني".
وحشة التوحيدي تقربه منا، وترينا أن الكتابة في شفافيتها الموجعة "تراسلنا" أينما كنا، وأياً كنا: أهو تعويضنا المتأخر عن وحشته القاهرة، هو الذي قال: "العزلة محمودة إلا أنها محتاجة للكفاية، والقناعة مزة (الخمرة الطيبة الطعم) فكهة ولكنها فقيرة إلى البلغة، وصيانة النفس حسنة إلا أنها كلفة محرجة إن لم تكن لها أداة تجدها (تجددها) وفاشية (المال) تمدها، وتركُ خدمة السلطان غير الممكن ولا يستطاع إلا بدين متين، ورغبة في الآخرة شديدة، وفطامٍ عن دار الدنيا صعب، ولسان بالحلو والحامض يلغ"؟

3- النص بين إسناده وإظهاره
لو أجرينا قراءة في معاني "نصص" المختلفة، و"ألف" و"كتب" وغيرها من الجذور الدالة على فعل التأليف في العربية القديمة لوجدنا أنها تجتمع عند معنيين:
- الفعل المادي لصنع الكتابة، أي كيفية إنتاج الكتاب وعرضه بالتالي على التداول؛ وهو ما يمكننا قوله في معاني صانع الكتابة نفسها، أي المورق والمحرر والكاتب، من جهة، والمصنف والشارح والمستأنف، من جهة ثانية؛
- الفعل التأليفي على انه يعني عملية "إسناد" و"إظهار" في آن، ما يشير إلى ازدواج بين عمليتين غير منفصلتين: إعادة الكتابة إلى سابق، وإجلاء الملتبس فيها.
ولو عدنا إلى أسماء الكتب القديمة، بل أنواعها لوجدنا أنها أشبه بمدونات لنص مفتوح أو قيد الإكمال والتصحيح التام: فهي مؤلفات ومصنفات ومجاميع ودواوين وغيرها. وهذا يشمل الصنيع التأليفي: في المتن والذيل، في الكتاب والشرح، وهو ما يندرج في مسميات عديدة: المتون والشروح والحواشي والتعاليق وغيرها.
ذلك أن الكتاب لا ينصرف إلى تأليف لم يسبق إليه أحد إلا في النادر، وهو ما يذكره بعضهم، وهو ما نلقاه في الكتب المتأخرة من المرحلة التقعيدية، بل يولي عنايته لاستقصاء غرائب المسائل، وشواذها، ونوادرها، فلا "يدع آبدة إلا قيدها"، "ولا شاردة إلا ردها إليه"، عدا أنه "لم يصنف في بابه أجمع منه"، وإنما "قصارى معارضه أن ينتهي إليه، وينسج في التأليف عليه" (هذه العبارات العديدة استقيها من "كتاب نعجة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد" للشيخ إبراهيم اليازجي- مكتبة لبنان ،بيروت، الطبعة الثالثة، 1985).
لعلنا نجد في بواعث التأليف، بل الجمع والإضافة على ما سبق وضعه وتداوله، أسبابا عديدة:
- منها العمل على بناء مرجعية ثقافية متعددة الأوجه والميادين، بما يفيد الدواوين وحلقات التعليم وغيرها، وهي مرجعية تطلب الجمع والتعديل والإضافة والتصويب والزيادة وغيرها من العمليات المتمادية في تاريخ هو ليس بالتاريخ بل بالزمن المفتوح على نسق واحد، له ثبوت وصحة العمل الذي تنهل منه وتؤكده في آن صورته التمامية. ويستحسن التمييز في هذا المجال بين ما يمكن تسميته بـ"العلوم" وما تطلب وضعُ قواعد ما لبثت أن استقرت مثل الأصول الفقهية أو المتصلة بعلم الكلام وغيرها من العلوم الشرعية، إذا جاز القول، أو بالعلوم التعليمية كذلك، مثل علم البلاغة والبيان والبديع وخلافها التي عرفت مثل هذا الاستكمال المتتابع، حيث يكمل عالم ما سبقه إليه عالم آخر فيصححه ويزيد عليه معدلاً ومنقراً، وما انتهى إلى التأكد و الثبات بالتالي، فما زاد عليه أحد.
- منها تناقل مواد الثقافة وتوزيعها، بعد فقدانها أو انتقالها من بيئة إلى أخرى، ومن عهد إلى آخر، ما يشير إلى عمل الكتاب بوصفهم وراقين ونساخين في كيفيات مختلفة.
- منها حاجات النظام التعليمي الذي يتطلب تلخيصات وتبويبات جديدة ومتبدلة تبعاً لعوامل متغيرة، مثل الأستاذ والبيئة والعهد الزمني والحاجات إلى التعليم نفسه.

وهذا ما نلتمسه كذلك في معنى "نص" إذ يعني "رفعَه" (إلى قائله)، و"أظهرَه"، فضلاً عن أنه لا يحتمل سوى معنى واحد، ما يشير إلى قائمة دلالية موصولة بالكتابة، وبأنواع منها من دون غيرها. وهذا يعني أن من معني "نص" الإملاء أو الاستمداد، أي هو فعل سابق على لحظة الإمساك بالقلم، كما أن الإمساك هذا يفيد التدوين، عدا أن المنصوص لا يحتمل غير معنى واحد.
يرتسم في هذا الكلام اجتماع دلالي يشير، من جهة، إلى الفعل الكتابي في بيئة شفوية ذات تقاليد كتابية نادرة الحدوث، حيث أن المكتوب هو "قول" أساساً، يتم تدوينه من بعد، ويحال إلى قائله، فضلاً عن أن من معاني الكتابة في تعييناتها الدلالية المختلفة ما يدل على صنعة الكتابة نفسها حيث تبدو صنعة مخصوصة بفئة من دون غيرها. كما يشير هذا الاجتماع الدلالي، من جهة ثانية، إلى المبنى القرآني نفسه، الذي يؤكد ويثبت "ندرة" الكتابة وفعلها المتميز في بيئة تناقلية، ويعليها إلى شأن سماوي وخارق، ما يحتاج إلى إسناد ونسبة، عدا أن جهد التأليف يقوم- والحالة هذه - على جلاء الخافي.
هذا ما عارضتْه ممارسات كتابية (سلوكية كذلك) مختلفة إسلامية، عند المتصوفة تحديداً، إذ طلبت التأويل، والكتابة بالتالي. غير أن العلاقة مع "النص" أوجدته مثل شيء، مثل جسم، مثل حقيقة وجودية، لا ما ورائية بالتالي: حقيقة يركن إليها لقرائتها، والتعامل بها، مثل معطى: حروف القرآن ليست بالحروف، بل علامات وجود، ولها حقيقة أثرية، شيئية: هو اثر العلوي وناتجه، على أن يسبر القارئ حقيقته الماثلة للعيان، كعلامة، في جليها وخفيها، وهي صورة "تمامية" للتأليف والكتاب في العربية، تجعلهما فائقي الاعتبار والبعد في آن.

(في أعمال "المؤتمر الدولي الثاني للنقد الأدبي"، القاهرة، 2000، المنشورة في كتاب بإشراف: عز الدين إسماعيل: "النقد والممارسات النقدية"، مطبعة المنار العربي، القاهرة، 2003، صص 235-246).