هذه نبذات، مقتطعة من جرائد ومجلات ومواقع إلكترونية، وبعضها مجهول الاسم. وتجتمع في كونها تلتفت التفافات متباينة إلى شربل داغر، في ما فعل أو كتب، ما يجعلها "ملامح من ورق".
محمود منير : تجربة مباينة
(...) شهادة إبداعية قرأها داغر، أمس الأول، يترجم فيها رؤيته حول تجربة شعرية مديدة ومباينة، بدأها بنشر قصيدته الأولى في جريدة "النهار" اللبنانية في 26 أيلول العام 1971، ليشارك بها أصدقاؤه في لقاء حميم ويقول لهم بصوته الدافئ: "لم يبق سوانا" في ختام أمسيته، قارئاً من ديوانه الجديد "القصيدة لمن يشتهيها: "أيها الصوت, خذني بتؤدة, كن رفيقاً: لم يبق إلا سوانا".
في مسيرته الشعرية طوال أربعين عاماً، أخلص شربل داغر لقصيدته بوصفها فضاءاً حسياً، يكثف في كتابتها تجربته الخاصة في التنقل بين الأمكنة، من جهة، وترحاله بين الفنون والإبداعات المختلفة، من جهةٍ أخرى، مولدةً وعياً جارحاً يوازي هذه التعددية الإبداعية، بعقل نقدي ينشغل في ترسيخ ما جرّبه، ومؤمناً أن "الفكر نسغ ينمي الشعر ولا يفقره أبداً"، كما يقول في إحدى مقابلاته.
لا يؤمن بأن للقصيدة منبراً، ولا هي ذات بقدر ما هي تفاعل، وإقامة علاقات مع الكائنات المحيطة. وهي بذلك تماثل اللوحة وتنفتح معها ضمن فضاء بصري لا ينتهي (...).
(محمود منير، جريدة "العرب اليوم"، عّمان، 21-10-2010).
د. أسماء غريب : بين الريشة وداغر ورامبو ...
(...) إن أولّ ما تُوصله هذه الجمل إلى قلب وروح القارئ ليس فقط غرابة تركيبتها، ولكن بالأساس أسماء من نطقها، وقوة وميتافيزيقية مضمونها. فأسماء بوزن شربل داغر وجين دوفال، وهي تتحدث عن حبيبها شارل بودلير، وإستفان ملارميه، ثم فالتر هلمون، لن تكون، وليست أبداً، أسماء اختارها الشاعر محمد حلمي الريشة هكذا من فراغ؛ لأن كل اسم لوحده هو مدرسة شعرية قائمة بذاتها. تبدأ بأب قصيدة النثر والنقد الأدبي الحديث الشاعر الفرنسي بودلير، وتصل إلى الناقد والشاعر الحداثي شربل داغر، كي تحملنا، وبشكل لا متوقع، إلى السفر في عوالم الحضور الأنثوي في القصيدة "الريشية"، بدءًا من زليخة وبلقيس، ووصولاً إلى جين دوفال. فلمَ هؤلاء النساء بالذات، وما علاقتهن بالنسق الشعري الخاص بـ محمد حلمي الريشة؟ (...).
ليندا عثمان : القصيدة تفاحة
دائماً يطل على قارئه بجديد ومميز. دائماً يتحف في ما يكتب شعراً أو بحثاً أو رواية، جماليات أو ترجمات، والتي تعدت الـ 30 مؤلفاً، من "فتات البياض" (...) إلى جديده: "القصيدة لمن يشتهيها" (...). شربل داغر الأستاذ الجامعي والكاتب المتخصص في فنون الأدب، في شعره كما في كتاباته، يأخذ القارئ المهتم إلى الكتابات المغايرة والأدب الاستثنائي، حيث القصيدة عنده تفاحة تنتظر قارئها، وتمضي مثل طير مذعور في سماء الانتظار (...).
أبجدية هذا الشاعر لا تنام ولا تواعد أحداً. تتمشى أمام مرآتها,، من دون أن تمسك بضفيرتها، لعوب، وجسورة، "تعطي قبلتها لمن يشتهيه". الشاعر يكتب قصيدته، يحملها أوزار اللغة والتاريخ والأيام والانفعال وروض الشعر، الذي يحتفظ به في المخيلة. يحكي عن الاختمار والتلقيح والمخاض والولادة من رحم اللغة، الذي هو "ابن حلال" للكلمة والحروف وأبجدية الوجود، لا "ابن حرام". هذا الشاعر فتح الهواء في الحروف الهامدة بواسطة الغبطة بالكلام؛ وحملته القصيدة إلى حيث لها أن تتمهل في مشيها، أن تدور دورة كاملة حول ما يستوقفها، مثل نحات أمام تمثاله (...).
شربل داغر، في "القصيدة لمن يشتهيها"، يحكي ولادة قصيدته التي أمسكت بيده منذ عمر، وجرته كما الصياد الذاهب إلى الصيد: ينتقل إلى الغابة، ويبقي العصفور في الغابة من دون صياد (...).
(جريدة "القبس"، الكويت، 2010).
حمزة عبود : تعدد الأنا
في شعر شربل داغر تتعدد "الأنا"، التي تتحرك في اتجاهات مختلفة ومتقابلة. ولعل هذا التعدد يعود إلى التنوع التعبيري اذي تستدعيه التجربة الشعرية، من جهة، والتي تمثل الصوت الآخر (الأنت) الذي ينطوي عليه المشهد الشعري – وهو في الغالب مشهدي حواري- تأملي، من جهة ثانية .
والمعنى في شعر شربل داغرلا يتراءى لنا في التلازم الدلالي بين الموضوعات واللغة، بقدر ما يتولد تلقائياً في سياق التجربة، حيث تبدو غاية القول (القول الشعري) ملازمة للمصادفة. ولذلك فإن الدلالات التي تنطوي عليها اللغة لا تبتعد بها إلى إنشائية مفرطة بقدر ما تتولد في توهجها وتشكلها (تشكل اللغة) الأولين.
كاليغراف الصورة
... وليسمح لي، أخي حسام، أن أشد على عقال فرسه الجامح حتى يتسلح أكثر بالتنويع الأسلوبي من تورية وطباق لغوي وتشبيه بالنظري لا بالملموس، مثلما أقدم عليه الشابي من رسم للحرية، وتوظيف اليومي والأسطوري لدى بدر شاكر السياب وأنات الحرف الغريب لدى شربل داغر في كاليغراف الصورة...
أحمد عائل فقيهي : الهواء المستعمل
قليلة هي الالتفاتات الإبداعية والقفزات الذهنية النادرة التي قديجدها المتابع والقارئ لحركة الشعر بعامة والشعر الحديث على وجه الخصوص. وقليلة هي العبارات التي تستفزك بحرقتها وبحرفيتها والتي تأخذك من تلابيبك وتشعر معها أنالكلمة قد ارتفعت إلى الذروة وقد احتوت على شيء جديد عميق ومختلف.
وديع سعادةشاعر لبناني يعيش اليوم في استراليا، التقيته في منتصف الثمانينات الميلاديةونهايتها، أكثر من مرة في مهرجانات وملتقيات تلك المرحلة الجميلة مع شعراء كبار مننزار قباني إلى محمود درويش والفيتوري وعبد الوهاب البياتي، ومثقفين في حجم لويس عوضوغالي شكري وجبرا إبراهيم جبرا مع مبدعين عرب آخرين وعراقيين توزعوا اليوم بين عواصم ومدن النفي القسري والإقامة المسورة بالخوف، والمسيّجة بالقلق والموتالبطيء.
لسعادة مجموعة شعرية طبعت ووزعت في نطاق ضيق ونسخ محدودة أعطاها اسماً لامعاً وعميقاً في الوقت نفسه هو: "رجل في هواء مستعمل يجلس ويفكر فيالحيوانات". أمام هذا العنوان تجد نفسك مصغياً وصامتاً ساهماً ومتأملاً بين التحديقفي السماء، أو في حالة شرود ولحظة تيه في هذا الواقع الذي تراه في الأشياء أو فيعدمها، يقف تعبير "الهواء المستعمل" كالرمح ملفتاً بدلالته اللغوية والذي تناولهقبل في مقالة مطولة الناقد اللبناني شربل داغر.
إن "الهواء المستعمل" هوالهواء الذي يستعمله "الجميع" ويعيش من خلاله "الكل" ويتنفسه كل "خلق الله"، ذلكالذي يحتل مساحة بعينها دون أن يتعداها والذي لا يعطيك معنى الحياة في عمقها بلهشاشتها ولا يمنحك الحرية التي تريدها، كما تريدها أنت وسط هذه الثقافة المبرمجةوالمعدة سلفاً، والقائمة على سيادة الخطاب الواحد في ظل غياب تعددية واجتماعيةوفكرية وسياسية ودينية كان ينبغي أن تسود وتبرز وتضيء بحراكها في السجال والحواروالاختلاف.
ما أود أن أصل إليه هو أن الحياة أصبحت بقدر سرعتها وإيقاعها اللاهثوالقاتل أصبحت بالمقابل أكثر اعتيادية، وتحولت إلى ما هو مكرر ومعلّب ومن ما هوجاهز ومستعاد، وهو ما يجعلنا أشبه بكائنات متشابهة في كثير من الأحيان. نفكربنمطية واحدة وبلغة واحدة وفي إطار الثقافة الجامدة وغير المتحركة ضمن سلطة النصالواحد. إذن كيف لنا أن نخرج من دوائر هذا الهواء المستعمل عبر لغة غير مستعملةوتفكير غير مستعمل وفهم عام يخرج على السائد والمألوف في عالم تحول كل شيء فيه إلىاللاجدوى وعدم الوضوح في المواقف وفي ظل هذا التيه وضياع البوصلة!
("عكاظ"، السعودية، 16-7-2006).
عمر أبو الهيجاء : مشهديات لافتة
... القصائد التي ألقاها الشاعر داغر في الأمسية (عَمان) انفتحت على فضاءات كثيرة في عالم الكتابة الإبداعية مثل القص الشعري والمسرحي، أي أنها التقطت مشهديات كثيرة في مساحة الحياة، ضمن أيضاً لوحات لا تخلو من التشكيل اللغوي الذي يظلل الواقع ويمثله بشكل دراماتيكي. فهي قصائد يتداخل فيها صوت الشاعر مع أصوات متعددة، وكأنك تجلس أمام كاميرا الشاعر المعبأة بحوارات مرئية ومقروءة تفيض بدهشة التصوير. في نصوصه ثمة مسرحية لافتة ورؤية تأملية جديدة ضمن خيال خصب استخدمه الشاعر في بناء مفرداته الشعرية العالية التقنية...
قصائد عربية في دير إيطالي
كما شارك ليوناردو كوسامي أيضاً كشاعر في الأمسية التي ضمته مع ضيوف ندوة الشعر من إيطاليا والبرازيل وفلسطين والأردن ولبنان (شربل داغر)، وكاتب هذه السطور من مصر. وقد قرأنا قصائدنا متبوعة بترجماتها إلى الإيطالية، ومسبوقة بعروض موسيقية راقصة لإحدى فرق الباليه الشابة، داخل باحة دير يعود بناؤه لأكثر من 300 سنة. وتسجل لوحة حجرية تاريخية زيارة أول أبناء الملك فرديناند ملك البوربون وزوجته ماري كارولين (يونيو 1797). وبعدها يكرم عمدة المدينة الشعراء بمنحهم دروعاً تذكارية وأعلام بيشيليه. وفي أمسية شعرية موسيقية أخرى بمسرح غاريبالدي يقرأ ممثل إيطالي نصا هجائيًاً لرئيس وزراء إيطاليا برلسكوني, بدعم من تصفيق الجمهور، يصعد الشاعر إدواردو سانجنيتي، وهو من أعلام الأدب الإيطالي الكلاسيكي المعاصر،, ليرتجل: "إيطاليا ليست برلسكوني فقط، إيطاليا بلد السلام الإنساني".
محمد حلمي الريشة: عن "القصيدة بالنثر"
أبدأ من الاسم الذي أُطلق عليها وهو "قصيدة النثر"، والحقيقة التي رآها صديقي الشاعروالناقد والأكاديمي د. شربل داغر، الذي قدم كتابنا "الإشراقة المجنحة"، أن ترجمة الاسم عن الفرنسية، باعتبار مصدرها هناك، هو "القصيدة بالنثر"، وأنا أوافقه تماماً على هذا المصطلح. لقد قرأت الكثير عنالسجالات التي دارت بين الشعراء والنقاد وغيرهم، وإن ألخصها، فإنني ألخصهابالاختلاف على التسمية-المصطلح. ثمة من ادَّعى أن القصيدة بالنثر عربية المنشأ،وأورد أن كتاب أبي حيان التوحيدي "الإشارات الإلهية" هو قصائد بالنثر. لا يعنينيمكان ولادتها، ولا أعتقد أنه يعنيها، فهي كرَّست هُويتها في العالم. إنني لا أعتقدأن القصيدة بالنثر هي نبتة ظلٍّ، بل هي شجرة مستقلة بذاتها،نبتت من بذرة تجديد إيقاعيِّ وحداثة إبداع؛ أي أنها لا تعتمد على بحور الشعر، عربيةكانت أم غربية، بل تعتمد أولاً على إيقاع اللغة، وما نراه من الكم الكبير مناستسهالها لدى الكثيرين خصوصاً في المواقع الإلكترونية، والخلط بينها وبين الخاطرةمثلاً، هو بسبب عدم وجود موهبة أصيلة لدى كاتبها يدرك بها الإيقاع اللغوي الذي هوبنيتها الأولى، إضافة إلى أن لغتها هي لغة الحواس، لا الوصف المباشر الحكائي، كأنالشاعر الذي لا يدرك ماهيتها يمسك آلة تصوير بدلاً من ريشة، وأعني ريشة فعلاً وليسقلمًا.
حسونة المصباحي : مع درويش وداغر
وذات مساء بغدادي جميل، عرض عليّ الصديق شربل داغر أن أسهر معه (محمود درويش)، فأبديت تردّدي مستعرضاً البعض من ردود فعله السابقة. غير أن شربل نسف ترددي بضربة خفيفة على كتفي قائلاً: "تعال معي... وسوف تكتشف أن محمود درويش شخص هش وطفل صغير!".
وفي تلك السهرة، أمام نهر دجلة الذي كان يتدفّق أمامنا محمّلاً بتاريخ القدامى والمحدثين، اكتشفت العجب. فالشخص الذي كان أمامي، والذي كان كعادته دائماً أنيقاً ووسيماً، لم يكن "ابن الباشا التركي المدلّل"، وإنما كان طفلاً ظريفاً، ساخراً، يحب اللعب بالكلمات، والحديث عن النساء والخمور والمدن. وبين وقت وآخر كان يطلق ضحكة تعيد إليه طفولته الأولى التي فقدها مبكراً.
والشيء الذي لفت انتباهي في تلك السهرة هو أن محمود درويش يولي اهتماماً كبيراً لكل كلمة ينطق بها. لذا كان يختاركلماته بعناية فائقة تماماً مثلما هو الحال مع الكتابة. فاللغة هي معياره الأساسي فيتعامله مع نفسه، ومع الآخرين. واللغة هي الحبيبة التي لا يجوز التفريط فيها أبداً،لذا لا بدّ من العناية بها، وتدليلها، وصقلها، وتنظيفها من كل الشوائب التي تعلقبها... الشوائب الإيديولوجية والسياسية والدينية وغيرها. ورغم أن محمود درويش كان يعيش وسط محيط سياسي وإيديولوجي متلاطم الأمواج وفي حالة هيجان دائم، فإنه ظلمحافظاً على أناقة اللغة الشعرية، وعلى صفائها ورونقها.
انتهت السهرة البغدادية أواخر الليل فعدت إلى غرفتي بفندق "المنصور ميليا"، وقد ولدت في ذهني صورة جديدة لمحمود درويش. صورة طفل مشاغب، عاشق للحياة، يتميز بسخرية قارسة كبرد أولى صباحات الربيع، ولا يحب شيئاً آخر غير اللغة والشعر.
عبد القادر عبو : النقد والتلقي
... وتمثِّل أعمال النقاد العرب المعاصرين مستويات من هذا التلقي أو مجموعة التلقيات التي تؤرخ للنقد وللإبداع معاً، لا من حيث زمنية إنتاج النص فحسب، وإنما من حيث تلقّيه والآثار التي يتركها في متلقيه بوصفهم مجموعات وأفراد تفرّق بينهم مستويات اجتماعية وطبقية وثقافية وتذوّقية، والنقاد هم أنفسهم أفراد ينتمون لطبقات اجتماعية ويمتلكون مستويات علمية متفاوتة ورؤى نقدية مختلفة، ومرجعيات إيديولوجية، وانتماءات مذهبية. ومن بين الأسماء التي نذكرها على سبيل التمثيل: محمد بنيس، شربل داغر، يمنى العيد، عبد الملك مرتاض...
الشيخ سيدي عبد الله : بين إبداع ونقد
وفي زمننا هذا لا يعدم المرء معرفة كبيرة بالشعراء الذين يمزجون قولهم الإبداعي بخطاب واصف ملازم، لأنهم يمارسون المهمتَين عن قصد ومن أجل الشهرة التي يبحثون عنها بين ثنايا الأجناس الإبداعية .وهذه حالة يتصف بها أدونيس ومحمد بنيس وشربل داغر وقاسم حداد وغيرهم، فهم مألوفون في مهرجانات الشعر وكذلك تتردد أسماؤهم ونظرياتهم في النقد العربي الحديث.
فوق "شرفات عسير"
- ... إذاً تبقى مسألة الآن معلقة بين خالد وعبد الناصر وقبلهما الدكتور عاطف الدرابسة الذي رمى بحجر وغاب حين أشار إلى أن هذا العمل سبق إليه شربل داغر...
- ... جبت المنتديات والمكتبات الإلكترونيّة أبحث عن كتاب شربل داغر لكن للأسف لم أجده...
- ... لا أستطيع أن أدخل في نقاش حول كتاب لم أقرأه، غير أن الملخص المكثف الذي قدمته لكتاب خالد الأنشاصي هو الذي جعلني أستدعي إلى ذاكرتي كتاب شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، وقد لاحظت تشابهاً يصل حد التطابق بين الكتابين على أن تستثني من ذلك مقدمة كتاب خالد الأنشاصي التي تتعلق بالتعريف بمفهوم الالتفات، والأمر الآخر أن داغر يضع المفردات نفسها تحت مفهوم التشكيل البصري، في حين أن الأنشاصي يستخدم مفهوم الالتفات بدلاً من مفهوم التشكيل البصري الذي ورد عند داغر مع أنه يستخدم أفكار داغر نفسها.
- ... إن تطابق المحاور وتشابه المنهجية والعناوين الفرعية يجعلني أوجه تساؤلاً إليك وإلى الأنشاصي: هل هذا الأمر يعد من باب توارد الخواطر أم سرقة الأفكار؟...
أيمن تعيلب: عن الالتفات البصرى
شدني المقال القصير الذي كتبته جريدة "الوطن" السعودية عن كتاب الأستاذ الشاعر خالد الأنشاصى "الالتفات البصري: بلاغة الشكل في الشعر العربي الجديد"، بخصوص توصله لنظرية جديدة فيتوصيف الشكل الجديد للقصيدة العربية المعاصرة وأطلق عليها "الالتفات البصري". فقد قالت الجريدة بالنص: "يؤسس كتاب "الالتفات البصري: بلاغة الشكل في الشعر العربي الجديد" لمؤلفه خالد الأنشاصي، لنظرية بلاغية جديدة تقوم على دراسة بنى الانحراف فيكتابة القصيدة العربية الجديدة دراسة بلاغية، إذ يرى المؤلف أن الشاعر العربيالجديد عمد إلى استثمار الشكل الكتابي بحيث يقوم بدور لا يمكن تجاوزه في إنتاجالصورة الشعرية، بحيث يخلق نظرية بلاغية جديدة تواكب ذلك التطور الهائل الذي أنتجته صور عديدة من الانحرافات على مستوى الشكل الكتابي للنص الشعري".
وشدنى أكثر الرغبة المحمومة لبعض الصحف العربية التي كتبت سريعاً عن هذا الموضوع مثل جريدة "الجزيرة"السعودية، وصدقت ما حدث دون بذل أي مجهود نقدي يذكر في هذا المجال، بما يضبط العقلالنقدي العربي العربي المعاصر، ويعيده إلى الجادة والمحجة النقدية الأصيلة (...).
ولا نريد في هذه المقالة العجلانة أن نعرض للسجال النقدي الدائر منذنصف قرن حول أزمات العقل النقدي العربي المعاصر (...). ومن هنا كان من الواجب، بلمن الأمانة العلمية والنقدية للأستاذ خالد الإنشاصى ألا يلقى القول النقدي والمعرفيعلى عواهنه دون تثبت مما يقول. فالنظرية لا تطابق الإجراء، والمناهج لا تساوى النصوص،وبنية الثقافة لا تعنى بنية الواقع.
ولقد كان لفلسفة الشكل الطباعى للقصيدة العربيةتاريخ قديم. ولقد أوضح الدكتور محمد نجيب التلاوي - وهو حجة في هذا المجال - في كتابه المهم "القصيدة التشكيلية في الشعر العربي" بعضاً من الأسس المعرفية والجماليةوالنصية والبلاغية التي سعت لتأسيس شكل مختلف للقصيدة العربية القديمة. ولكن ثمةفرق جوهري بين فكرة التشكيل البصري في القصيدة الحداثية وفكرة اللعب التزييني الخارجي في القصيدة الكلاسيكية القديمة. فشتان بين شعر يخرج علي القواعد من داخلها،فلا يحطمها تحطيماً ثم يسقط في حدود التجريب الوهمي الذي يمارس تجربته خارج القواعدوالأنساق والرؤى والأشكال السابقة، أو يزيل حدوده الجمالية الخاصة بحده الجماليالنوعى، ليدخل في حدود جنس آخر. وفرق كبير بين خروج تأسيسى أصيل، وخروج خارجي سطحيزائف. فهناك تجريب يتم ويستمر تحت ضغوط تحولات حساسية الحياة، وتنامى تقاليد الجمال الجديدة، وتجريب يتم وفق جواهز تصورية قبلية تصلح كبدائل عقلانية مسبقة. وهذاالتجريب فيما نرى ضرره أكثر من نفعه، بل تعد ولادته غير شرعية، فلم يتناسل من رحمالحياة، أو رحم التقاليد الجمالية المستبصرة بواقعها ومستقبلها في آن (...).
وقدأفاض معظم النقاد العرب المجتهدين في هذا الباب الجديد من أبواب تكوين الشعرياتالعربية المعاصرة، فلا يكاد يخلو كتاب نقدي مهم في ثقافتنا النقدية العربية المعاصرةدون ذكر لجماليات الشكل الطباعى في القصيدة، من لدن كتاب عز الدين إسماعيل عن "الشعرالعربي المعاصر: ظواهره المعنوية وقضاياه الفنية"، وحتى كتاب شربل داغر "الشعرية العربيةالحديثة" (دار توبقال، المغرب، 1988)، وفيه فصل كامل عن جماليات الشكل الطباعىللقصيدة العربية المعاصرة، وكتاب الباحث السعودي الدكتور محمد الصفرانى: "التشكيلالبصري في الشعر العربي الحديث" (الرياض، النادي الأدبي، والمركز الثقافي العربي، 2008)، وكتاب الباحث السوري المعاصر محمد صابر عبيد الذي أفاض كثيرا عن مفاهيمالتوزيع الشكلي الطباعى وعلاقته بإنتاج الدلالة الشعرية في كتابه: "البنية الإيقاعيةوالدلالية للقصيدة العربية الحديثة"، وكتاب محمد الماكرى: "الشكل والخطاب: مدخللتحليل ظاهراتي" (1991)، الذي أصل بصورة فلسفية وجمالية أصيلة ضمن ما أصل لأشكالالتكوين البصري للشعر العربي المعاصر (...).
العربية والتمدن : البدء العزيز
... الندوة تخللتها كلمات للدكتور جولييت الراسي معتبرة شربل داغر متعدد المواهب، الأكاديمي والشاعر والكاتب والمترجم، والذي اعتمد في مواقفه على مخطوطات ووثائق ومصادر أخرى أصلية ودراسات قديمة وحديثة بالعربية والفرنسية والانكليزية (عن كتاب "العربية والتمدن..."). د. انطوان أبو زيد تحدث عن الروابط الأكيدة بين التعلم والتمدن والحداثة في نظرة ثلاثية الأبعاد، ومساءلة للتاريخ الاجتماعي الثقافي الخاص والهامشي وعبر خريطة جغرافيةـتاريخية، وربطه مراحل التمدن الذي حازه اللبنانيون، والترجمة كظاهرة لافتة في أوساط النخبة المتعلمة. وأضاف: "لم يقصر الباحث نظره على الربط بين تعليم العربية والتمدن، ورصد التحولات، بل آثار التعليم على التمدن - وحسناً فعل - من دون أن يجري تقصياً لأنواع الكتب، ودراسة لسانية ودلالية مقارنة للنصوص التي تشكلت منها هذه الكتب، ليثبت له مقدار نصيب كل من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين بمراحل التنوير والنهضة وصولاً إلى الحداثة (أي خلال الثلاثمائة عام المنصرمة)، في تأليف هذه الكتب، وترجمة تصوراتهم فيها، لاعتبارهم كتب العربية أشد الأدوات التربوية أهمية في صياغة الوعي لدى هؤلاء الطلاب، وذلك على غرار الدراسة الشهيرة التي أجراها آلان شوبان على الكتب المدرسية الفرنسية، ولا سيما تلك التي تعلم اللغة، منذ أيام الثورة الفرنسية حتى أواخر القرن العشرين، والتي بيّن فيها إمعان السلطات في التدخل بتأليف هذه الكتب، حتى أمست، في بعض المراحل، ترجمة أمينة لرؤيتها ومصالحها. ولم يقيض لمؤلفي الكتب المدرسية حرية التأليف وحمايته إلا بدءاً من العام 1914.
وأياً تكن هذه التساؤلات، فإن البحث الشيق والعميق الذي اجراه الباحث د. شربل داغر، أعادنا إلى بدء عزيز، عنيت به صلة النخبة باللغة العربية، وبالتمدن وحركته. بل، لعل العربية – وأربابها – تنتصر، اليوم، ويرد لها بعض فضلها على التمدن، في زمن العولمة، واجتياح اللغات الأجنبية، وخطر انطماس هوية المواطن العربي الثقافية، وأن يرد لبعض النخب المفكرة، بالعربية، والكاتبة بها، بعض من حظوظ التعبير عن ذواتها، وعن انسانها، أبدع تعبير.
وشرح د. شربل داغر في كلمته لماذا اختار اللغة العربية موضوعاً للكتاب، وكيف اختارها مدخلاً لدرس الحراك اللبناني في القرون الأربعة قبل تأسيس "دولة لبنان الكبير"، والموضوع هو عربية اللبنانيين (وغيرهم)، وبأن هذه الاخيرة وصلت إلى عالم اليوم مضعضعة، وتتعرض لإمتحانين شديدي القسوة: امتحان العولمة وامتحان الحاسوب وعواقبها المختلفة وتغليب الانكليزية على غيرها. ويضاف إلى ذلك أن العربية باتت تحتل أدنى مراتب التطلع الاجتماعي، مستنتجاً أن "التركز اللبناني" وصل الى "دولة لبنان الكبير"، لكنه "لم يبنِ الدولة، بل قوة الجماعات وقوة المقاطعجية والأعيان فيها".
طلال المعلا: عن الحروفية وداغر
أول المتحدثين في الندوة كان الفنان السوري المقيم في الشارقة طلال معلا حيث قال في مداخلته إن شربل داغر هو أول من حاول في كتاب أصدره في مطلع تسعينيات القرن الماضي توصيف هذا الفن، أي "الحروفية"...
خالد خضير: توافق بين الخصوبة ورؤى التعبير
... ويفترض أن تُحقق الأعمال المقدمة اجتماع أساليب الفنانين حول القصيدة، وامتلاك روح التجديد المخالفة لتجاربهم السابقة، كما قال الشاعر شربل داغر. وأضاف بأن "القصيدة، مثل المحفورة أو اللوحة، مرنة، ومفتوحة علي فضاء التأويل وخيال الكاتب وعلى عذابات ولذاذات الإنسان".
ضم المعرض ("تواشجات بين شاعر وفنانين") أكثر من 70 عملاً تنوعت بين اللوحات المشغولة بمختلف المواد والأشكال، بين دفاتر الرسم والتكوينات المجسمة والمعلقات. وقد عقد مؤتمر صحفي سبق المعرض في مبنى "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" حضرته رئيسة مجلس أمناء الجمعية الملكية للفنون الجميلة وجدان علي ومدير المتحف الوطني الأردني الدكتور خالد خريس والشاعر داغر وجمع من المعنيين بالفنون التشكيلية. استهلت الفنانة التشكيلية وجدان علي المؤتمر مؤكدة أن تجربتها في تواشج الرسم والشعر هي تجربة تُشكِّل ما يصح اعتباره قطيعة مع منجزها السابق، حيث دفعتْها قراءة أشعار شربل داغر إلى أن تغيرَ أسلوبها وأداءها الفني مما شكل إثراء لتجربتها ولتجارب الفنانين الآخرين، وفتحت لهم آفاقاً أوسع. وأضافت أن تجربة رسم الشعر لم تكن جديدة عليها، فقد أدخلت الشعر في لوحاتها سابقاً (...)، لكن شعر شربل داغر شكل بوابة لآفاق جديدة". ثم تحدث الشاعر داغر فقال بأن هذا المعرض سيفتح سبلاً أمام الفنانين باتجاه التجديد والرؤية الجديدة، والقصيدة برأيه لا ينتظم بناؤها إلا بالبناء البصري وهو "ما يتيحه الشعر الذي قدمته لهم كونه شعراً محسوساً قابلاً للتحول إلي شكل بصري". وأكد د. خالد خريس أن المتحف يفخر في تقديم مبادرات جديدة وغير تقليدية (...).
أما ما يخص الأعمال المشاركة، وبغض النظر عن فعالية المعرض التي تفترض التواشج بين الشعر اللغوي والرسم البصري، فإن قراءتنا لها تنتهي إلي النتائج التالية: قدمت الأميرة وجدان علي تجربة حروفية تدوينية تضمنت مقتبسات من قصائد شربل داغر، وهي أعمال تميزت برؤية حداثية في بناء اللوحة. وكذلك فعلت إيتيل عدنان، بينما نأى محمد أبو النجا بنفسه عن الآخرين ليتخذ قاعة منفردة صغيرة ملأها بمجسات ولافتات ودفاتر مصنوعة من ورق البردي، غلب عليها اللونان الأزرق الداكن والأسود.
إلا أن أشد ما يثير الاهتمام دفتر للفنانة العراقية هناء مال الله، وهو دفتر بأوراق كبيرة وصلبة في حجمها (...). وفنها قائم على جملة من العناصر، هي أولاً: الطبيعة التدوينية التي تجعله نصاً مفتوحاً قابلاً لتعدد القراءات والتأويلات واتجاهات القراءة، وثانياً إنه قائم على بنية رياضية صارمة مستمدة من علم الأوفاق، حيث يختبر سلطان الأعداد طبيعته لسلطان الاسم (...).
(جريدة "الزمان"، لندن، العدد 1661، 13-11-2003).
وجدان وقصيدة داغر
... ورسمت وجدان في آخر لوحاتها الحروفية مقاطع من قصائد الشاعر اللبناني شربل داغر على ورق يدوي الصنع في عملية إبداعية تعد نقطة انطلاق جديدة في عمل وجدان. وتتنوع الأوراق المستخدمة بين ورق "واشي" الياباني إلى الورق الصيني والتايلندي والكوري والياباني، مما يولد طبقاً واسعاً من الانطباعات الفنية. فأوراق التوت والحرير اليابانية شفافة وقوية، في حين يتحول ورق الأرز الصيني، عندما يلمسه الماء، إلى ورق هش يتمزق بسهولة. وعمدت الفنانة - بغية تقوية بعض الأوراق - إلى استخدام غبار الذهب وحبر الذهب، فضلا عن الألوان المائية. وتبدو الكلمات وكأنها قهرت أمام هذه الطبقات متعددة الألوان، فغاصت في الورق تاركة للون والورق مهمة التعبير عن أشعار توحي بأجواء تتجاوز الآفاق المنظورة. وهكذا يجتمع الفنان والشاعر وكل منهما عراف بطريقته الخاصة ليحولا خلجات النفس إلى واقع لوني تجريدي...
علي سليمان الرياحي : عن الفن والشرق
ما قبل السنوات العشرين الأخيرة صدر عمل فكري هام جداً للمفكر العالمي المعروف والمأسوف عليه جداً المفكر إدوارد سعيد، نقصد بذلك كتاب "الاستشراق", في هذا العمل المهم جداً يبرز المؤلف تلك النظرة الفرنسية والأمريكية تجاه "الشرقالمتخيل", وهو يبرز هذه النظرة عن طريق المؤلفات النصية والكتابية، مبتعداً، إلامن لمحة سريعة وخاطفة، عن أهمية العمل الفني ودوره الهام في تشكيل أو ترسيخ نظرة ما أو دوره في نفيها. فحسب رأي إدوارد سعيد أن النظرة المتخيلة للشرق جاءت في المقام الأول عن طريق الكتب والمخطوطات لا عبر مصنعاتمحاكية مثل النحت والخزف.
في هذا السياق صدر العمل الهام من حيث الموضوع والمنهج بعنوان: "الفن والشرق: الملكية والمعنى في التداول", وهو يتكون من جزئين،يتناول الأول: النادر والعريق، في حين يتناول الجزء الثاني الفن الاسلامي. وهوللمؤلف المتعدد الاهتمامات: شربل داغر.
جاء هذا العمل ليس كتكملة لـ"الاستشراق"، وإنمالكي يختط طريقاً آخر، وفي نفس الوقت ليتلاقى معه ويكمله، بل ليضيء الكثير منالمناطق المعتمة في هذا الموضوع.قبل الدخول في الأسئلة الهامة التي يطرحها هذا العمل، ينبغي إبراز ذلك الحس البوليسي الخفي في التقصي والبحث، وهو ما يجعل لهذا العمل أهميته من حيث بنيته الموضوعية، أي تلك التي تتعلق بموضوع البحث...
ثمةالكثير من حواف المعنى وآثاره لا يمكن أن يتم عرضها فيما يخص هذا العمل الهام،وفي نفس الوقت،لا يمكن أن نختزله في هذه القراءة السريعة، ذلك أنه عمل تدشيني بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومعنى المعنى.
(نشرت هذه الرؤية في مجلة "زواياثقافية" العدد الثاني، سلطنة عُمان).
خليل الخوري: الرائد
أهلاً بزميلنا العزيز الباز،
كان من المفترض أن يكون العنوان: "روايات جيدة" وليس "كتب جيدة".
ثم أريد أن أشير إلى خطأ شائع في تاريخ الرواية العربية. حيث أُشيرَ دائمًا بأن رواية "زينب" التي كتبها محمد حسين هيكل في باريس عام 1910، ونشرها تحت اسم مستعار هو" فلاح مصري" في عام 1914، بأنها الرواية العربية الأولى. وهذا غير صحيح، فالريادة هي للبناني خليل خوري الذي كتب أول رواية في عام 1859 تحت عنوان: "وَي، إذن لست بإفرنجي". وقد أعاد شربل داغر نشرَ هذه الرواية محققةً ومذيلة بدراسة نقدية جيدة، وقد صدرت عن دار الفارابي، 2009.
وداد محمد بغدادي : شربل وانا
في بداية الثمانينات تعودت أن اقرأ للشاعر والكاتب شربل داغرفي المجلات التي كنت أشتريها باستمرار وأحببت أسلوبه كثيراً. وصادف أن شاهدته في جامعة الموصل في إحدى المهرجانات الثقافية مع مجموعة كبيرة من الدول المختلفة، لم أصدق أن أراه ولم تكن لدي الشجاعة لأن أذهب وأسلم عليه حتما كان سيسعد بمعرفة أن من العراق من يقرأ له ويتابعه لكني وكباقي النساء الشرقيات خذلتني الشجاعة وندمت أشد الندم أني لم أسلم عليه. تذكرت اليوم اسمه وبحثت عن أعماله في الجوجل، فوجدت هذه الكلمات وبعض المعلومات عنه وأحببت ان تشاركوني قراءته.26-11-2010
www.rojavaart.com