يسعدني إعلام الصاحبات والأصحاب بقرب صدور كتابي من المختارات الشعرية: "قيافة الأثر: سيرتي تتفقد قصيدتي"، عن دار خطوط للنشر والتوزيع، في الأردن.
الدكتورة الشاعرة هناء علي البواب، صاحبة الدار، أرادت لكتابي أن يكون أول إصدارات الدار، متمنيا - في ما يخصني - أن يكون الكتاب علامةَ خير في هذه الأزمنة الصعبة. كما عمل مدير الدار، الأستاذ محمد العامري، بيدَيه، وبعينَيه المبدعتَين، شاعرا وفنانا، على إظهار الكتاب في أحلى حلة؛ وهي مناسبة جديدة لتأكيد ما يجمعنا، وينشطنا، في هذه المتعة الخالصة: له الشكر، والامتنان، والمحبة.
يشتمل الكتاب على قصائد مختارة من شعري، مع "كلمة" أنشرها أدناه، ودراسة لامعة للدكتور عبد الدين حمروش، الشاعر والجامعي المغربي، عن العلاقات البنائية بين شعري وسيرتي، والغلاف للفنان بسام حمدان.
"اخترتُ، لهذا الكتاب، قصائد من مجموعاتي الشعرية المختلفة. وطلبتُ له رابطًا، وهو أن يكون مجتمعًا حول: سيرتي في شعري. ولكن كيف يمكن القيام بذلك؟ هل هو ممكن؟ أفي مقدوري اختيار هذه القصائد بيُسر؟ هل تكون كلُّ قصيدةٍ مختارةٍ استجابةً لقصدٍ مسبَقٍ تعينَ في الإقبال على سيرتي (على أجزاء فيها)؟
الشاعر قد ينطلق من واعز، من خيار، ولكن هل تكون القصيدة - وقد اكتملتْ دورةُ انتظامِها - صورةً لفظية ومادية لما كانت عليه في اندفاعتها؟
مثلُ هذه الأسئلة (وغيرها) لا يزعجني، ولا يبلبل كلمتي هذه، ما دام أنني اعتبرتُ دومًا أن "القصيدة لذاتها"، وأنها ليست مقتنى الشاعر: هو مقتنيها بالمعنى الشعري، بالمعنى القانوني، ولكن ليس بالمعنى "الهوياتي"، إذا جاز القول.
كيف لا، وقد تحدثتُ، في غير مقال ومقابلة، عن أنني "أزور" قصيدتي، وأن لها كيانها بالتالي!
يمكن اعتبار هذا الكتاب وثيقة مروري في قصائدي، لا وثيقة اعترافي أو بَوْحِي. كان لي، في هذه القصائد، دليل، وهو أنني ابتدأتُ عددًا من هذه القصائد إثر قرار: التكلم عن "درج حبيب" في قريتي في قصيدة "وليمة قمر"؛ أو عن "شارع خليل البدوي" حيث أمضيتُ طفولتي وقسمًا من مراهقتي في بيروت في قصيدة "الشارع"؛ أو عن "مقهى كلوني" بباريس في قصيدة "المقهى جريدة" وغيرها. هذه الابتداءات - إذا جاز القول - انطلقتْ منها القصائد، مثل غرضٍ في السرد الذاتي، إلا أنها لم تتقيد بها تقيدَ الكاتب إذ يكتب سيرته الذاتية. فالشاعر، إذ يتذكر، قد يتخيل ابتداء مما يبدأ منه: يرغب في أن يبني من هذا كله موضوعًا شعريًّا، وفق عناصر المتخيل الشعري والبنائي.
لهذا لا أسمي هذا الكتاب: سيرة شعرية، وإنما قصائد تتجول في سيرتي، بصحبتي: شاعرًا، أكثر مني الإنسان الذي كنتُ عليه".