ما أعيشه في الحياة، لا يكفيني.
ما أعيشه في القصيدة، لا يكفيني.
ما أتمنى حصوله قد لا يحدث في حياتي أبداً.
ما أرغب فيه قد يبقى متدلياً في شجرة بعيدة.
لهذا أفتح شرفات الكلام لمن يسكنني في جسدي.
ما أنساه، ما أتغافل عنه، ما يعبر سريعاً، ينصرف إلى كتابتي في غفلة مني. لا يلبث أن يعود أحياناً، أن يَظهر، من دون دراية مني.
هكذا أتكلم عن حيواتي المزيدة، التي لا أعيشها، وأتمتع بالتعرف عليها مثل قارىء.
يصعب على الشاعر أن يكون روائياً. ما يستطيعه البعض منهم، ما ينقادون إليه تلقائياً، هو الاستمرار في كتابة الاسم العلم، في رفع أنا المتكلم علماً للكتابة... هذا ما فعلته بدوري في عملي السردي الأول. هذا ما تجنبتُه في رواية: "بدل عن ضائع". هذا ما أتجنبُه في روايتي الأخيرة التي انتهيت من كتابتها قبل شهرين...
قد يظن البعض أن هذا يعني أن الرواية تعويض مجزٍ لكاتبها عما لا تتيحه الحياة، إلا أن للرواية سبيلاً بين سبل عديدة تخرج فيه حتى على مشيئة كاتبها، إذ تستقل الشخصيات بنفسها، مثل أولاد راشدين لا يلبثون أن ينفردوا بأنفسهم ويتصرفوا بحيواتهم.
تحمل الرواية عنوان: "بدل عن ضائع"، ما يوحي بأنها رواية البحث عن أصل ضائع. هي كذلك من دون شك، إذ تطلب البحث عن هادي، المولود اللبناني-الإفريقي الضائع أو المفقود، ولا نلبث أن نتحقق في نهاية الرواية من كونه حياً على الأرجح، من دون أن نرى له وجهاً، أو نسمع له صوتاً، أو أن يقوم بأي فعل كان.
هو ذريعة، إذاً، وحيلة فنية، بهذا المعنى، إذ إن الرواية هي قبل ذلك رواية البحث عن الكائن نفسه، هذا الموجود المُخضَع، الذي يسعى إلى تبين إنسانيته في الشقوق والصراعات، بما فيها الانتحار، أو كتابة الرواية، طالما أنهم مثل شهرزاد: يروون لكي لا يموتون، ويروون لأنهم يموتون.
(في ندوة حول الرواية، في "المركز الثقافي العربي"، عَمان، في 23 أيلول-سبتمبر من سنة 2014، بمشاركة شهلا العجيلي، والياس فركوح، ومحمود منير).