أتساءل، عندما أقرا في كتاب أو دراسة، ما إذا كان "الشاعر يقول" حقا، أو "يُعبِّر"، أو "يَقصُد" في قصيدته التكلمَ عن مشاعره، عن أفكاره، عن حالته، عَمّا عايشه في الظرف الفلاني...
فالشاعر قد يَقصد، ولكن مثل من يتوجه إلى باب من دون أن يجلس في أول كرسي يصادفه، مثل مالكٍ حصري للبيت.
والشاعر قد يُعبِّر، لكن ما يصدر عنه ليس بوحا، أو مكاشفة، وإن طلبَ ذلك، ذلك أن للكلام انبثاقاته واندفاعاته ما لا يجعل منه إملاءً واستظهارا ناصعَين.

الشاعر يقول، حكما. لكن السؤال: من القائل فيه؟ أهو واحد؟ وما يقول؟ أهو مِمّا يعرفُه وشعرَ به فيدونه أم أنه خليطُ ما لا يمكن الفصل فيه بين قصد واشتهاء، بين تضخيمٍ للأنا أو تخفيفٍ لها؟
أحين تفيد قصيدة لأدونيس أن اسمه: "لغم الحضارة"، أيعني أنه يتحدث عن: علي أحمد سعيد اسبر؟ وماذا عن محمد الماغوط إذ تفيد قصيدة له: "أنا حذاء"؟

في القصيدة متكلم أكيد (وربما أكثر)، وهو بعضُ قدرة الشاعر على التكلم، على التوزع، على التلطي، على التصدر، على التخفي... وهو، في هذه، لا يقلّ تعبيرا عَمّا يكونه الكاتب في "شخصياتِ" مسرحيته، أو الممثل في أدواره المختلفة. أما ما يقوله الشاعر، فيقع أبعد من أي قصد، فكيف إن كان يرود كلامه مثل مكتشِف له، ويخرج منه كما من حلم.

أتساءل، ولا أبالي، ما دام أنني، إذ أنتهي من قصيدة،... أزورها واقعا.
أتساءل، ولا أبالي، ما دام أنني، إذ أقرأ قصبدة غيري، قد أزورها أكثر من مرة، على أنني في كيان، في فضاء، يحتضنني ويتعداني.